134

Миср

مصر: نسيج الناس والمكان والزمان

Жанры

وليس معنى هذا أن إسرائيل، وحدها، هي التي أدخلت حسابات سياسية في مياه الشرق الأوسط. فهناك المشكلات الناجمة عن إنشاء السدود التركية على أعالي الفرات والدجلة، وحبس قدر كبير من مياه النهرين لفترة بناء السدود عن سوريا والعراق، معتمدة في ذلك على القوة وسياسة الأمر الواقع من ناحية، وانهماك الدول العربية في قضايا العرب وإسرائيل من ناحية ثانية.

وهناك التحسبات الكثيرة حول مشروعات دول أعالي النيل لإقامة سدود على النيل من أجل التنمية الزراعية وتوليد الطاقة. أوغندا ترغب في تعلية سد أوين على مخرج النيل من بحيرة فكتوريا لإنتاج مزيد من الطاقة نحتاجها للتنمية الاقتصادية، وري بعض مئات آلاف الأفدنة. وإثيوبيا تخطط لبناء مجموعة من السدود الصغيرة - نحو مائتي سد - على النيل الأزرق وروافده العديدة، وعلى نهري البارو والبيبور رافدا نهر السوباط من أجل مشروعات زراعية صغيرة وكبيرة، جملة مساحتها المقدرة تخطيطا تبلغ نحو ستة ملايين من الأفدنة. فما هو موقف مصر والسودان إزاء هذه القضايا باعتبارهما دولتي مصب؟ وأين يقف مجلس وزراء الري لدول حوض النيل

5

من مثل هذه الموضوعات؟

وعلينا في مصر والسودان ألا نتخوف كثيرا من هذه المشروعات؛ لأن الاحتياجات المائية للزراعة في مثل هذه المناطق الممطرة لن تكون مماثلة لاحتياجات الزراعة في مصر والسودان الشمالي، بل أقل كثيرا، وبرغم ذلك فالحذر واجب خاصة ما تردد عن اشتراك إسرائيل - ولو بالخبرة والتخطيط - في مثل مشروعات أوغندا، وإثيوبيا بوجه خاص للتأثير المعروف للروافد الحبشية على مائية نهر النيل شمال الخرطوم.

6

ففي 1990 علمت مصر بوجود مهندسين من إسرائيل في إثيوبيا يخططون لإنشاء ثلاثة سدود على النيل الأزرق، فأبلغت إثيوبيا أن مصر ستعد هذا المخطط بمثابة إعلان حرب. وفي 1991 عقد السودان وإثيوبيا اتفاقية للاستخدام المشترك لمياه النيل مع إنشاء سدود على منابع النيل الإثيوبية. أعلنت مصر أنه في حالة تناقص حصتها من المياه فسوف ترد عسكريا ضد هذه المنشآت. وتروج الدول الغربية وأمريكا إلى فكرة أخرى تجنبا للصراع هو القيام بأعمال مشتركة لصالح دول أي حوض نهري واحد - ولكن حيث أن معظم دول العالم الثالث فقيرة، فالمقترح أن تتم الأعمال المشتركة من خلال مؤسسات دولية وبالأخص البنك الدولي. لكن ذلك في رأي الدول المعنية هو تدخل وضغط القوى الكبرى ضد مصالح بعض دول الحوض النهري لصالح واحدة من دوله أو عقاب أخرى. ويرى الكثيرون من محللي السياسات أن المؤسسات الدولية فعلا تقوم بإحداث قلقلة اقتصادية اجتماعية، وبعض هؤلاء يعتقدون أن تلك المؤسسات لا تعمل شيء سوى خلق الصراع بين الدول، وينطبق هذا تماما على حوض النيل!

7

ومرة أخرى فليس معنى هذا أن التداخل السياسي في موضوع المياه مرتبط فقط بالعلاقات بين الدول العربية والدول غير العربية في الشرق الأوسط. فهناك اختلافات ونزاعات بين الدول العربية وبعضها البعض حول المياه. مثال ذلك النزاع العراقي السوري حول مياه الفرات، أو عدم الوضوح حول أنصبة سوريا والأردن من مياه اليرموك. وهناك أيضا المطلب السوداني حول إعادة تحديد حصة السودان من مياه النيل التي نصت عليها اتفاقية 1959 بين مصر والسودان. وهذا المطلب تلح عليه دوائر سودانية معينة، ويحظى بتعاطف دوائر أجنبية من أجل مزيد من التنمية الزراعية. والتنمية الزراعية السودانية صيغة مبهمة تتناول أماكن وأقاليم الكثير منها لا تتعلق بمياه النيل. وسوف نخصص لهذا الموضوع بعض هذا البحث فيما بعد، وإن كان ذلك لا ينفي حق الدول في إيجاد الطرق والوسائل من أجل التنمية. (1-2) هل مشكلة المياه موضوع مؤجل؟ أم يجب أن يكون ضمن نسيج المشكلات السياسية؟

باختصار فإن المياه يجب أن تأخذ حيزا من سياسات دول المنطقة أكبر مما هو عليه الوضع الحالي. البعض يرى أن هذه مشكلة مؤجلة مقابل المشكلة السياسية مثل مشاكل الحدود واستعادة الأراضي السلبية وإقامة الدولة الفلسطينية وتأسيس السلام مع إسرائيل. صحيح أن المشكلات السياسية لها بريق أكبر؛ لأنها تمس الكيانات الوطنية والقومية، ويحس بها الداني والقاصي داخل الشرق الأوسط وخارجه، وصحيح أيضا أن مشكلات المياه تعتمد في أساسها على المعرفة التكنوقراطية التي لا تدخل تفصيلاتها الوجدان العام كالمشاكل السياسية. لكن برغم ذلك فإن المياه موضوع مزدوج الأهمية للتكنوقراطي والسياسي معا. وليس بوسع السياسي أن يخوض المشكلة دون التسلح برأي الخبراء وخياراتهم في حدودها العليا والدنيا، بحيث تسمح للسياسي بمساحة للمناورة أثناء المفاوضات. هذا إلى جانب استخدام السياسي لواقع الأمور المشاركة في زمن التفاوض، كميزان القوة العسكرية أو متى يكون التشدد أو الحلول الوسطى، وحسن استخدام الظروف الدولية لتكوين جبهة متعاطفة - الأحسن أن تكون مساندة - وغيرها من الأمور.

Неизвестная страница