124

Миср

مصر: نسيج الناس والمكان والزمان

Жанры

لم أذكر الواحات كمناطق عمل لسكان جنوب الوادي؛ لأن الواحات حالة خاصة من التعايش آلاف السنين بين معطيات البيئة والناس. وحين نتدخل بتكنولوجيا القرن الغشوم نفسد التوازن الأيكولوجي الهش بين المياه والتربة وعدد السكان، فنحيلها إلى التصحر المطلق مع أن أشكال هذه التنمية تأتي إلى الواحات بنيات حسنة فينطبق عليها القول المعروف: «إن الطريق إلى «جهنم» مفروش بالنيات الطيبة.» ومن ثم فالتوصية الواجبة هي ترك الواحات تتطور بالأسلوب الذي يتعايش مع الصحراء مع قليل من الإرشاد وكثير من الدراسة دون استعداء قوى الطبيعة. (11-4) معطيات الوادي في الجنوب

الأرض الزراعية الحالية ضيقة بكل المقاييس بحيث لا تتناسب مع الملايين الثمانية من السكان. في الحقيقة أن السكان أكثر من ذلك لولا أن فائض السكان يهاجر إلى الشمال ويظل العدد المقيم محافظا على أدنى حد من التعايش مع ظروف العمل القاسية. فنحو 90٪ من العاملين بالزراعة يعملون في ظل ملكية أو حيازة زراعية متناهية الصغر أو قد تبلغ حد الصفر في أحيان. ويعوض البعض هذا الفقر المدقع والحرمان البالغ بالعمل القاسي في المحاجر أو الخدمات الخاصة أو النقل، فضلا عن إرساليات نقود من العاملين في الشمال إلى ذويهم في الجنوب. وبالرغم من إنشاء مناحل العسل وتسمين العجول للبعض، فإن هذه الدخول الهامشية لا تستطيع أن تكون رأسمال يسهم في أية عمليات تنموية وبالتالي تتجمد الأوضاع وتسوء.

وقد كانت هناك دراسة لحالة 15 قرية في مركز سوهاج مجموع سكانها 203 ألف، نشرت في تقرير التنمية البشرية لمعهد التخطيط القومي عام 1996 تشير إلى ظروف شظف العيش في هذه القرى كنموذج متكرر في محافظة سوهاج، ونموذج متكرر بصور أخرى أشد وأقسى في بقية جنوب الوادي.

قد يكون شكل التنمية الذي يتبادر دائما إلى الأذهان هو البحث عن أرض استصلاح جديدة . وباستثناءات محدودة - الحافات الصحراوية ومصبات بعض الأودية مثل شرق كوم أمبو أو وادي الأسيوطي، فإن التوسع الزراعي محدود بحكم إطباق الهضاب الجبلية والرمال السافية على الصعيد جنوبه وشماله معا. وحتى إذا استوفينا تنمية زراعية برفع المياه بتكلفة طاقة عالية، فإن الزراعة في المجال العالمي والإقليمي لم تعد هي الحل السحري لمشكلات البطالة واختلال التوازن بين البيئة والإنسان، وبخاصة أن الزراعة عادة تستهلك 75٪ من المياه العذبة.

في مصر استأثرت الشركات الصناعية بنحو 70٪ من العدد، و43٪ من الاستثمارات و62٪ من العمالة، وفي مقابل ذلك 6٪ شركات زراعية و5٪ من الاستثمارات و8٪ من العمالة! وبالتالي فإن الزراعة تصبح غير مجدية كنشاط إذا قارناها ليس فقط بالشركات الصناعية بل بشركات البنوك والأموال وشركات السياحة، وغير ذلك من الأعمال في قطاع الإنتاج والخدمات.

وليس المعنى أن نكف عن الزراعة فهي أساس الغذاء اللازم للوجود. لكن القصد أن إنشاء أنشطة أكثر إنتاجا وربحا وتوفيرا لفرص العمل وتقليص البطالة نسبيا هو أجدى؛ لأنه سيستقطب أكثر من نصف العمالة الزائدة والفقيرة في قطاع الزراعة، بحيث يتناسب عدد السكان الزراعيين مع حجم الأرض. وعلى هذا فإن ناتج العمل الزراعي سيوزع على الفلاح المنتج فترتفع حصيلته من نشاطه تدريجيا في الوقت الذي يصبح للعمل في القطاعات الأخرى دخل مستقل، وبالتالي لا يمثل دخلا طفيليا على الناتج الزراعي.

وبناء على ذلك فالراجح من هذا العرض أن توجهات التنمية في جنوب الوادي يمكن أن تكون في أوجه متعددة وليس الزراعة فقط. الاستثمار يمكن أن يتجه إلى صناعات زراعية كمصانع الأغذية المجمدة واللحوم والأسماك المجهزة حسب نوعية القطع وصناعات الجلود والنقل السريع وبعض منتجات الألبان ... إلخ، جنبا إلى صناعة أنواع من الورق والأخشاب من مخلفات النبات. الطاقة متوفرة من الشبكة الموحدة ويضاف إليها الطاقة الجديدة من قناطر إسنا، والمتوقعة من قناطر نجع حمادي وأسيوط، فضلا عن امتداد أنابيب البترول والغاز إلى الصعيد كمشروع يكتب عنه حاليا. وربما نتيجة لذلك يمكن إنشاء بعض الصناعات الثقيلة وبخاصة الأسمنت.

ولا يقتصر الأمر على الصناعة فإن هناك أنشطة أخرى قائمة وتحتاج إلى مزيد من الاستثمار والتحديث على رأسها صناعة السياحة. وجنوب الوادي مليء بشتى السياحات من آثار أخميم وأبيدوس ودندرة وإدفو والأقصر وأسوان والنوبة، مليء بسياحة السفاري في كل جنوب مصر من البحر الأحمر إلى الوادي الجديد، مليء بسياحة العلاج وطاقة الشمس والمنظر الجميل ...

كل هذه التحديثات ترفع منسوب دخل الأفراد، وغالبا تحتاج إلى تحديث عمراني يقوم به الأهالي على مهل وإلى مدارس ومستشفيات وعيادات. تداول العملة سيجلب معه أنشطة بنكية متعددة ومتنوعة ومكاتب قانونية ومحاماه وينعش التسوق والسوق المحلي. وربما أيضا صحافة محلية إلى جانب الإعلام الرسمي ... إلخ.

والخلاصة: أن نوعا متجددا من الحياة يمكن أن يحل تدريجيا محل رتابة الحياة التقليدية من زمن فات؛ وبذلك نكسب إقليما نشطا جديدا يضاف إلى وطن قوي بدلا من وطن ترهقه الإشكالات ... (11-5) أسوان بوابة الجنوب

Неизвестная страница