المجموع
12900
وفي إبريل سنة 1883م خرج نيازي باشا وأركان حربه هكس باشا ومعهما 6500 جندي للإيقاع بمن بقي من العصاة مع أحمد المكاشف بالجزيرة، وكان عددهم قد تكاثف بعد عبد القادر باشا، فلاقوهم في المرابيع وكسروهم شر كسرة، وقتلوا زعماءهم، فانمحى بهذه الواقعة أثر الثورة من الجزيرة كما انمحى من عموم السودان، ولم يبق للمهدي شوكة خارج كردفان.
وقد ألح عبد القادر باشا ثانيا على الحكومة - وهو في مصر عقب هذه الواقعة - بترك المهدي وشأنه في كردفان إلى أن يظهر للناس كذبه، أو تضيق به البلاد فيضمحل من نفسه، فقوبل إلحاحه بالإعراض أيضا، وأذن لهكس باشا بالزحف على المهدي في كردفان، فرد بأنه لا يتحمل مسئولية الحملة حتى تكون له القيادة العامة عليها.
ولما تباطأت الحكومة المصرية في إجابته إلى طلبه هددها بالاستعفاء، فأذعنت وجعلته القائد العام على الحملة، ونقلت نيازي باشا محافظا على السودان الشرقي، فخلا الجو لهكس باشا، وتوغل بهذا الجيش الكبير في صحاري كردفان حتى ضلوا الطريق ووقعوا في مخالب المهدي، فأفناهم ذبحا وقتلا في ساعات معدودة.
وبهذا الانتصار الكبير رجع للمهدي شأنه الأول، فانتقضت أطراف السودان وعاد شعلة نار، وعلى أثر ذلك قررت الحكومة الإنجليزية إخلاءه، ولما لم تصادق وزارة شريف باشا على هذا الإخلاء، حملتها على الاستعفاء، وجاءت وزارة نوبار فصادقت عليه، وعين غوردون باشا لإخلائه وإخراج الجيوش المصرية منه، وكان فيه نحو الثلاثين ألفا، وحوصر غوردون باشا في الخرطوم إلى أن قتل، وكان ما كان مما هو معروف ومشهور. فمن هو المسئول عن هذه النتائج السيئة؟ ومن الذي أضاع السودان؟ أمصر التي أضاعته أم السياسة الإنجليزية التي كانت مشرفة على مصر في هذا الحين؟ (3)
ثم ترك السودان تفتك بأهله الفوضى والجهل والظلم والأوباء والحروب، فحصدتهم هذه الأدواء حصدا، واصطلحت عليهم، وتركت البقية الباقية من أهله في جوع وعري.
وهذه العاقبة هي التي توقعها عبد القادر باشا حلمي لأهل كردفان لو بقي المهدي محصورا فيه. وعند ذلك جاءت أوامر إنجلترا بتجهيز حملة لاسترجاع السودان، وصدر القرار الوزاري بذلك في 13 مارس سنة 1896م، فاسترجع السودان بثلاث وقعات كبرى وبجيش يبلغ نيفا وعشرين ألفا تقريبا، ولم يقتل منه إلا القليل. وكانت الخسارة في الواقعة الفاصلة - وهي واقعة أم درمان - من القتلى ثلاثة ضباط إنجليز، واثنين من المصريين، وأربعة وعشرين عسكريا إنجليزيا، وسبعة وعشرين عسكريا مصريا، ولم تبلغ النفقات التي صرفت في هذا الفتح مليونا من الجنيهات، فهل كان يعجز مصر أن تقوم بذلك وحدها؟
الفصل الثالث
وجاء في آخر كتاب سموه عن المالية المصرية
Неизвестная страница