وبعد مناقشة بيننا وبينه، أعطيناه المبلغ المطلوب، وصرنا بذلك أحرارا في أن نتوجه إلى أي ناحية من أنحاء المدينة.
ولم نتعمق داخل المدينة مسافة قصيرة حتى تجلى لنا ما كانت عليه من العظمة، ومما وصل إلى آذاننا علمنا أنها في حركة دائمة تدل على الحياة والنشاط.
ولكنا سمعنا ضوضاء داوية آتية من الشارع الضيق الذي يساير النيل، ورأينا - بعد برهة - جماعة من العمال تصخب وتصرخ وتتدافع بعنف في شكل مظاهرة، ويتقدمهم شخص ظهر لنا - من حالته التي كان يرثى لها - أنه يجري فارا من العمال، وأنه يخشى على نفسه منهم أن يصيبوه بسوء. وكان العمال في حالة مزرية؛ عرايا الأجسام إلا مما يستر عوراتهم، والظاهر أن الجوع عضهم، فثاروا وأضربوا عن عملهم، ولم يجدوا أمامهم من يصبون عليه جام غضبهم إلا هذا الرجل العجوز، الذي يجري أمامهم محاولا النجاة بحياته.
واتجه الرجل العجوز نحو قصر جميل تحيط به حديقة غناء ذات أسوار ضخمة، ولما يئس العمال من اللحاق به رموه بالحجارة، فأصابه بعضها، وتفجرت الدماء من عدة أجزاء من جسمه، ولكنه - رغما عن ذلك - جرى بقوة نحو باب القصر، وهمس في أذن البواب بضع كلمات، ثم دخل إلى الحديقة، ثم أغلق الباب في وجه المطاردين، الذين اضطروا للوقوف، وقد أخذ الغضب منهم كل مأخذ، وأخذوا يهزون قبضاتهم في الهواء مهددين مزمجرين.
وبعد فوات مدة قصيرة فتح الباب، وخرج منه رجل جميل الطلعة بادي النعمة والجاه، يتبعه ستة من العبيد مدججين بالسلاح.
هذا الرجل هو الأمير باسر، الذي يهيمن على مصلحة العمل في حكومة طيبة. أما العمال فكانوا بنائين يقومون بعمل فوض إليهم في مقبرة طيبة.
سأل الأمير العمال عما جعلهم يحدثون هذا الشغب ويطاردون سكرتيره.
وقد رد كل واحد منهم بما شاء على هذا السؤال، فحدثت ضجة، ولم يفهم الأمير كلمة واحدة، فأنابوا عنهم واحدا يتكلم بلسانهم، وقد ابتدأ الرجل الكلام في تلعثم واضطراب، ولكن لم يلبث أن زال عنه ما ألجم لسانه من الخوف، وبلغ الأمير الشكوى.
قال إنه وزملاءه يشتغلون منذ أسابيع، ولم يأخذوا أجرا مقابل أتعابهم، حتى القمح والزيت اللذان هما حق لكل عامل من عمال الحكومة.
وعليه، فقد قصدوا سيدهم يضرعون إليه أن يصرف لهم جرايتهم، فإن كانت المخازن خاوية فليرفع شكواهم لفرعون. إننا مسوقون إلى هنا بدافع الجوع والظمأ، ولا نملك ملابس ولا زيتا ولا طعاما، فاكتب لفرعون يرسل لنا ما تقوم به حياتنا.
Неизвестная страница