ولكن الأغرب من الكتاب نفسه هو ما يتضمنه من الكتابة، التي تعد بحق أغرب الكتابات كلها، وربما أجملها أيضا، ونحن نسميها الهيروغليفية، ومعناها: النقش المقدس، وهي عبارة عن صور صغيرة. وكان المصريون في أول عهدهم بالكتابة يرمزون للكلمة التي يرغبون في التعبير عنها بصورة المعبر عنه، وبعد ممارسة ذلك الفن عهدا تمكنوا من وضع حروف هجائية، ووضعوا علامات تمثل مقاطع الكلمات، ولم تكن هذه العلامات إلا صورا صغيرة؛ فمثلا كانت إحدى علاماتهم للحرف
وجه نسر، وعلاماتهم للحرف م أسدا.
فإذا تصفحت كتابا مصريا مكتوبا بالهيروغليفية، رأيت سطورا من الطيور والحيوانات والزواحف والرجال والنساء والقوارب وجميع الأشياء الأخرى تسير في الصحيفة.
وكان إذا أراد المصريون أن يخلدوا كتابتهم تركوا أوراق البردي الواهية، ويكتبون في كتب مختلفة اختلافا تاما عن البردي وأوراقه.
لا بد أنك سمعت عن النصائح المنقوشة على الأحجار، وفي الواقع أن معظم الكتابة المصرية التي تخبرنا عن الفراعنة وأعمالهم، منقوشة على الأحجار. نقشت في وضوح وعمق على سطوح المسلات وجدران المعابد، وكانت العادة أن الملوك إذا رجعوا من إحدى الحروب، نقشوا وصف المعارك وما لاقوه في الذهاب والإياب على جدران أشهر المعابد في أيامهم، أو على الأعمدة المقامة في تلك المعابد؛ حيث بقيت إلى الآن، وهي على حالتها الأولى ليقرأها الباحثون.
وكانت إذا نقشت الهيروغليفية على الحجارة طبعت الخطوط بالألوان المختلفة، حتى إن الكتابة كانت تظهر مثل لهب من جميع الألوان الخفيفة، وتظهر الجدران كما لو كانت مغطاة بستائر ذات ألوان جميلة.
ولقد نصلت الألوان الآن، ولكنك تستطيع أن تشاهد أثرها واضحا في بعض المعابد والقبور. ومن شرحي هذا، تستطيع أن تتصور ما كانت عليه هذه الكتابة من الجمال والرونق.
وكان الكتبة والحفارون عالمين بمكانة فنهم من الجمال والحسن؛ لذلك لم يألوا جهدا في إبرازه في شكل جميل جذاب.
وبلغ اعتناؤهم بالجمال أنهم كانوا إذا وجدوا أن الصور التي تتكون منها الكلمة أو الجمل تظهر قبيحة المنظر بسبب اتصالها وترابطها حذفوا الصور التي تقبح منظر الصفحة، وضحوا بصحة هجاء الجمل في سبيل إبرازها في نسق جميل.
ونحن نخطئ أحيانا في هجاء بعض الكلمات، ولكن ليس الداعي في ذلك أن نكونها في صورة جميلة طبعا! والآن نعود ثانيا إلى لفات البردي، ولنفرض أنه فرغ من صناعتها، وأنها أصبحت مهيأة للكتابة، ونحب أن نعلم كيف كان الكاتب يقوم بعمله.
Неизвестная страница