لقد رأيت في لحظة أعظم رجل على ظهر البسيطة، والظالم الجبار المذكور في قصة بني إسرائيل؛ كم كان قويا، وكم كان فخورا!
وطبيعي أنه لم يكن يحلم بأن اليهودي الصغير الذي تبنته ابنته، والذي تربى بجامعة الكهنة بهليوبوليس، سوف يذل مصر في يوم من الأيام، ويبدل عزها هوانا، وأن اسم فرعون العظيم لم يكتب له الخلود وذيوع الصيت إلا لأنه اقترن باسم موسى.
الفصل الخامس
حياة الجندي
إنك إذا اطلعت على ما كتب عن المصريين في الكتاب المقدس، خيل إليك أنهم أمة حرب وطعان، وأنهم لم يوجهوا همهم لشيء في الحياة كالحرب والغزو. وحقا لقد حاربوا طويلا، وانتصروا كثيرا، واستطاعوا بذلك أن يكونوا إمبراطورية عظيمة لم تصغر في شأنها عن أي إمبراطورية قامت في العهد القديم.
ولكنهم لم يكونوا ميالين بطبعهم وسجيتهم إلى الحرب والقتال، ولم تكن روح المصري مفعمة بذلك الميل الغريزي الذي يدفع صاحبه إلى القتال في أي فرصة، ويسبب له من السرور والحبور في أثناء القتال ما لا يمكن تصوره عقل إنسان، أي إنهم لم يكونوا مثل أعدائهم الآسيويين والبابليين.
ونحن الذين قدر لنا أن نتصل بأحفادهم - المصريين الحديثين - وأن يكون بيننا وبينهم من الأمر ما هو معروف. نعلم حق العلم أن المصري ينفر من الحرب نفورا شديدا، ولقد تحققنا من ذلك في أثناء حروبنا معهم وضدهم.
نعم؛ قد يظهر الجندي المصري مهارة خاصة، ويبلي بلاء حسنا، إذا قاده إلى القتال قواد ماهرون، ولكنه مع ذلك يختلف عن السوداني الذي يقاتل حبا في القتال.
المصري يؤثر عيشة السلام على الحرب، وليس أشهى لديه من الإقامة في حقله بين أسرته وقطعانه يزرع الأرض ويرويها. هكذا المصري، وهكذا كان آباؤه وأجداده، ولكن إذا أمر فرعون بالحرب فلا يوجد من يتردد في طاعة أمره؛ هنالك يحاربون تحت قيادته ويبلون البلاء الحسن، ولكن طول الوقت لا يشغل بالهم مثل وطنهم والحنين إليه، وكم تكون سعادتهم عظيمة إذا انتهت الحرب، وأزف وقت الرجوع إلى الوطن ومسراته الهادئة البسيطة!
وعلى العموم، كانوا شعبا مسالما رحيما، ميالا للسرور والأخذ بأسباب المسرات، ولا تجد بينهم فظا غليظا كما تجد بين الآسيويين.
Неизвестная страница