Египет от Насера до Октябрьской войны
مصر من ناصر إلى حرب
Жанры
حدد السادات أسبوعا واحدا لمغادرة الخبراء السوفييت وعائلاتهم. أما الأمر الأكثر أهمية فتمثل بطبيعة الحال في الظروف التي اتخذ فيها السادات هذا القرار، فضلا عن أن قراره، الذي أبلغني به مباشرة، قد ألحق - بطبيعة الحال - ضررا بالغا بالعلاقات السوفييتية المصرية. لقد أثبت السادات بذلك عمليا أنه لا يمكن الوثوق به بأي حال من الأحوال!
في يونيو من عام 1971م توجه السادات إلى القيادة السوفييتية بعدد من الأسئلة التي تمت صياغتها على نحو اتسم بالغموض والإبهام. على أنه كان من الممكن رؤية المغزى المستفز وراء الضباب الذي اكتنف هذه الأسئلة. كان السؤال تحديدا: كيف ينظر الاتحاد السوفييتي إلى الموقف الذي يمكن أن يحدث بحلول الخريف، وإذا ما اندلعت العمليات العسكرية في الشرق الأوسط، فإلى أي درجة يمكن الاعتماد على الاتحاد السوفييتي، وبالإضافة إلى ذلك تضمنت الأسئلة طلبا ل «تعويض» مصر بالأسلحة، وهلم جرا. لم تكن الأسئلة مصاغة بشكل محدد، ولم تحدد موعدا عاجلا للرد عليها، ولكنها طرحت علينا عشية زيارة نيكسون إلى الاتحاد السوفييتي، والأرجح أنها كانت تعول على إحراج الاتحاد السوفييتي.
بدأ السادات يعبر عن اهتمامه بالأمر، فسألني عدة مرات ما إذا كنت قد تلقيت ردا، وكنت في كل مرة أخبره بأنني سوف أبلغ الرئيس فورا فور تلقي الرد. وقد تسنى لي أن أتأكد على نحو عابر بسبب عجلة الرئيس بعد أن تبينت جوهر هذه الأسئلة. وأخيرا تسلمت ردا على أسئلة الرئيس. بالطبع لم يكن الرد على النحو الذي كان السادات يتوقعه. كان ذلك انطباعي بعد قراءتي الأولى له، وهو ما أخبرت به رفاقي، لكنني كنت مكلفا على أية حال بإنجاز الأمر وإبلاغ الرد.
قمت بزيارة السادات هذه المرة في قصر الطاهرة. كان يبدو مكتئبا. قام المترجم بعرض مضمون الرد على الرئيس. كانت هناك بالطبع جوانب لم يستطع تصورها، مثل ما ورد بشأن الحملة المعادية للسوفييت التي يشنها الإعلام المصري، وعما تقوم به الدوائر الرجعية ضد المنظومة التقدمية في مصر، وعن ضرورة دعم العلاقات عمليا وليس بمجرد الأحاديث وما إلى ذلك.
استمع السادات إلى الرسالة دون أن يصدر عنه أي تعليق. وبعدما انتهى العرض سألني على نحو لاذع: «أهذا كل ما في الأمر؟» شعرت على الفور أن العاصفة تقترب، وحيث إن الرسالة لم تتعرض للنظر في طلباته الخاصة بالتوريدات الجديدة للأسلحة، وإنما تعرضت لكونها رهن الدراسة، فقد قررت أن أحيط الرئيس علما بآخر المعلومات لدي عن التوريدات العسكرية والتي تشير إلى أن جزءا من طلباته قد تم إنجازه، وأن الجزء الآخر في طريقه للإعداد، وأن الأمور تسير على وجه العموم بصورة لا بأس بها في الواقع.
استمع السادات إلى ما قلته، ثم سألني مرة أخرى بنبرة جافة: «أهذا كل ما في الأمر؟» كان هذا بالفعل كل ما في الأمر، وقد رددت بالإيجاب قائلا إن هذا كل ما لدي للرئيس.
بعد فترة وجيزة من الصمت بدأ السادات في التحدث بشكل واضح وصارم. طلب مني أن أبلغ موسكو أنه سوف يواصل نضاله ضد إسرائيل، وأنه سيظل صديقا للاتحاد السوفييتي على الرغم من «تصرفاتنا»، وأنه قد اتخذ قراره بسرعة إنهاء عمل البعثة العسكرية السوفييتية في مصر؛ الخبراء والأفراد العاملين في الوحدات العسكرية.
كان إعلانه بمثابة الرعد على صفحة سماء صافية. كانت الفكرة الأولى التي راودتني عندئذ: أليس في هذا نوع من الابتزاز؟ وإذا لم يكن ابتزازا، وإذا كان يطرح قراره على نحو جاد فمتى اتخذه؛ الآن أم قبل ذلك؟ وإذا لم يستطع أن يدرك مضمون الرسالة التي سلمتها إليه توا، وإذا كان قد اتخذ قراره قبل ذلك، فكيف لم نستطع أن نعرف ذلك أو نخمنه على أي الأحوال؟ وإذا كان القرار قد تم اتخاذه الآن فقط بعد أن تعرف على الرد، فأي زعيم دولة هذا؟ وهل يدرك التبعات التي سوف تترتب على قراره؟ وكيف ستتلقي موسكو هذا القرار؟ وأخيرا، كيف سيستقبله العالم أجمع؟ فالقرار لا يعني فقط إضعاف القوات المسلحة المصرية، وإنما هو ضربة قاصمة موجهة للعلاقات السوفييتية المصرية. إن هذا السلوك الطائش لا يمكن في حقيقة الأمر أن يمر دون حساب. مع من دبر كل ذلك؟ وهل يمكن أن يكون قد فعلها وحده؟
أجبت بأنني سوف أبلغ موسكو اقتراح الرئيس بالطبع، وإن كنت أود أن أنوه إلى أن العسكريين السوفييت موجودون في مصر لا بإرادتهم، وإنما جاءوا تلبية لرغبة ناصر الملحة وبشكل استثنائي ومؤقت.
قاطعني السادات قائلا إنه يقدم اقتراحا للزعماء السوفييت بشأن إنهاء عمل الخبراء السوفييت في مصر، وإنما يبلغني قرار الإنهاء وهو قرار لا يقبل المناقشة. كان واضحا أن الرئيس عاد «للتجاوز» مرة أخرى.
Неизвестная страница