История Египта при хедиве Исмаиле Паше
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Жанры
وأقبل (إسماعيل) يفكر في الوقت عينه في أمر تأسيس شركة فنية استغلالية، يكون غرضها حفر ترعة تسير من مصر الوسطى، فتنحدر نحو الشمال، محاذية السلسلة العربية، فتجتاز القاهرة بين تجاويف جبل المقطم الوسطى، فتمكن من ري الجزء الشرقي من قمة الدلتا، ومن إنشاء جملة شلالات مياه متعاقبة ذات قوة هائلة، يستطاع استخدامها لتحريك آلات مصانع كبرى.
ولكن الماليين أبوا - بالأسف - أن يمدوه بالأموال اللازمة لإنجاز ذلك المشروع البديع. ولا ندري لماذا لا يقدم على تنفيذه الآن، فتولد من تلك الندافات قوة كهربائية عنيفة تغني مصر في استنارتها بالنور الكهربائي، وفي تشغيل معاملها، عن الفحم الحجري والكيروسين.
وكانت نتيجة الاضطراب الهائل الذي أحدثه في السوق المصرية توقف تركيا عن الدفع، ونتيجة ازدياد الصعوبات والشدائد حول المالية المصرية أن إسماعيل صديق باشا شرع يفكر للخروج من مأزقه الحرج في الإقدام على بيع أطيان الأوقاف الخيرية كلها التي في القطر المصري، وعرض المشروع على الخديو، وحببه إليه.
ولكن (إسماعيل) أبى اعتماده، وزجر وزيره عنه، فحول الوزير وجهه شطر عمليات بيع، وتمكن (أولا) من تصريف حوالات بمبلغ مليون من الجنيهات يستحق دفعها بعد ستة أشهر، بفوائد قدرها 21 في الماية. و(ثانيا) من بيع مليون إردب قمح، بسعر جنيه إنجليزي الإردب، وخمسائة ألف إردب فول بسعر 82 قرشا صاغا الإردب، تسليم سبتمبر وأكتوبر، على أن يكون دفع ثلثي ثمنها في مارس، والثلث الباقي في أبريل.
ولكن الأحوال - بالرغم من ذلك جميعه - استمرت سائرة من سيئ إلى أسوأ، فبلغ خصم حوالات المقابلة في أواخر شهر مارس من 23 إلى 26٪، وبلغ سعر الفوائد المطلوبة على كل عملية من عمليات التحويل أو العكس بالبورصة، 48٪ وما فتئ سعر القرض يتدهور حتى نزل إلى 61٪.
فبلغت الأنفس التراقي، وأخذ كل المشتغلين في الأمور المالية ينتظرون بأنفس جزعة حلول ساعة الخراب العام.
ولكن إسماعيل صديق باشا، وقد أصبح مركزه أحرج من مراكز الجميع، وفق، لكثرة ما أتعب فكره، وفتقه إلى تدبير جاء للكل بمثابة الفرج الذي لم يعد أحد ينتظره، ومكنه من الاستحمام بالذهب استحمامه الأخير.
فقد كان يوجد ضمن مصالح الحكومة مصلحة بقيت بعد ذلك دهرا، كانت تعرف باسم «مصلحة الرزنامة»، وأحسن تعريف لها أنها كانت عبارة عن صندوق أمانات، له حق التصرف في رءوس الأموال المودعة فيه تصرفا أبديا على شرط قيامه بدفع معاشات متفق عليها للمستحقين.
فجمع وزير المالية المجلس الخاص، كما كان جمعه لمسألة المقابلة، وبعد أن عرض فكرة مشروعه عليه، وحمله على استحسانها، استكتبه تقريرا للخديو جاء فيه «أن عددا كبيرا من الأهالي يحتفظون بأموال جسيمة لا يستثمرونها لعدم معرفتهم كيفية استثمارها، ولأن القرآن الشريف يحظر الإقراض بفوائد، فوزير المالية بعد كثرة التفكير والتأمل وفق إلى إيجاد وسيلة لاستثمار تلك الأموال بما يعود على البلاد بأكبر رخاء، وعلى المشروعات التجارية بأكبر سعة، وعلى الفنون والصنائع الاستغلالية بأعظم فائدة، تلك الوسيلة هي أن تصدر الرزنامة سندات إيراد مؤبد بما لا تتجاوز قيمته خمسة ملايين من الجنيهات الإنجليزية.
ولا يرى المجلس أن يتعدى هذا المبلغ، لا لأن المال غير موجود في البلاد، ولكن لأن مشاغل الحكومة كثيرة، ومهما بلغت رغبتها في العمل على الخير العام، فلا قبل لها على تحمل أعباء قد تنوء بها.
Неизвестная страница