История Египта при хедиве Исмаиле Паше
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Жанры
وكانت نتيجة ذلك الفيضان الجارف القضاء على جانب عظيم من المغل؛ فارتفعت أسعار الحنطة والذرة ارتفاعا فاحشا، طار بسببه غلاء شديد ، أوجب ارتفاع عموم أسعار حاجات المعيشة ارتفاعا مخيفا، ثم انقطع وارد القمح بالمرة، واشتد الطلب فلم يجد الفقراء له أثرا لا في سواحل بولاق، ولا في مصر القديمة، ولا في جميع رقع الغلال الأخرى، فضجوا وعجوا، وكثر طواف النساء في الأسواق يحملن المقاطف، لعلهن يجدن من يبيعهن قمحا أو دقيقا.
فلما علم (إسماعيل) بما عليه الناس من الضر، هاله الأمر وأزعجه، ورسم بجلب القمح والدقيق من البلاد الخارجية، فأتى بشيء كثير منهما، وفرق على الوكائل وجهات الرقع، ورتب للبيع وقتان في الصباح والمساء، ونودي في الناس بذلك، ففرحوا وتزاحموا على أبواب محال صرفه تزاحم الجياع، واستمروا على هذه الحال شهرين وبضعة أيام، حتى تواردت الغلال من الأقاليم القبلية، وملأت مخازن التجار وأشوان الدولة، وعم الوارد منها الأقاليم البحرية.
14
على أن النيل عاد إلى الطغيان سنة 1866 فبلغ ارتفاعه نيفا وخمسة وعشرين ذراعا وأربعة عشر قيراطا، فعادت ويلات سنة 1863، وزادت شدة، وكان ذلك هو العام الذي فاز (إسماعيل) فيه بحصر إرث العرش المصري في الابن البكري. فالابن البكري من ذريته، فأبى أن يشوب كدر عام أفراحه، لذلك بذل قصارى جهده في منع كل غرق وخراب عن البلاد وساكنيها، وما فتئ كالمرة الأولى متنقلا في جهات القطر، لا سيما في الصعيد، مراقبا بنفسه شئون المحافظة على الجسور، حتى تمكن من درء شر جسيم.
وأما في سنة 1868 فقد شح النيل في فيضانه، ولم يبلغ أقصى ارتفاع مياهه سوى تسعة عشر ذراعا وثلاثة عشر قيراطا، فنجم عن ذلك أن ثمن أراضي الوجه القبلي بقي شراقي، وأنه وقع غلاء شديد في البلاد، دل عليه ارتفاع أسعار النقود. فإن الجنيه الإنجليزي - وقد كان في سنة 1866 يساوي 176 قرشا من العملة الدارجة، وفي سنة 1867، 185 قرشا، أصبح في سنة 1868 يساوي 192 قرشا، والجنيه المصري - وقد كان في السنتين السابقتين يساوي 184 و189 قرشا، أصبح يساوي 197، وأما البنتو (القطعة ذات العشرين فرنكا)، فأصبح يساوي 152 قرشا، بعد أن كان في السنتين عينهما يساوي 142 و147، كذلك أصبح الجنيه المجيدي يساوي 172 قرشا، بعد أن كان يساوي في سنة 1867، 166 قرشا، وفي سنة 1866، 161 قرشا.
15
وبينما الناس ينتظرون أن يعوض عليهم الفيضان التالي المضار التي لحقت بهم من جراء قلة الفيضان السابق، إذا بمياه النيل قد ارتفعت في سنة 1869 ارتفاعا فاحشا، وبلغ علوها نيفا وستة وعشرين ذراعا وقيراطا، فغرقت السواحل، وتلف كل الزرع الذي عليها، وانهارت الجسور، وهدد القطر جميعه بالغرق، وكان (إسماعيل) قد اتفق مع المسيو فردينان دي لسبس على أن يكون فتح ترعة السويس للملاحة والتجارة العالميتين في نوفمبر من ذلك العام، فرأى أن أقل تهاون يبدو من حكومته في أمر مقاومة مهاجمة ذلك الفيضان المريع يؤدي حتما إلى إفساد مجرى الحفلات الفخمة العتيدة، ورأى أنه يجدر بهمته إذا أن تهب لمقاتلة همة المياه، والتغلب عليها، فأصدر الأوامر المشددة إلى جميع المديرين ومأموري المراكز بعدم مفارقة الجسور، لا نهارا ولا ليلا، والعمل باستمرار على تقويتها وتعليتها، وسرعة تصليح ما ينهار منها، وملافاة المضار الناجمة عن الانهيار، واغتنم فرصة سياحته على النيل مع الإمبراطورة أوچيني، في أوائل أكتوبر، لمراقبة تنفيذ أوامره بنفسه، حتى تسنى له إنقاذ البلاد من تلك المصيبة المدلهمة، ولو أنه لم يستطع تخليصها من براثن الغلاء، الذي تلا حتما ذلك الفيضان الطاغي، ورفع سعر النقود، فأصبح الجنيه المصري يساوي 203 قروش، والإنجليزي 199 قرشا، والبنتو 158 قرشا، والمجيدي 179 قرشا، والمجر 95 قرشا بعد أن كان يساوي 91 قرشا، و89 في السنتين السابقتين.
16
على أن كثرة توافد الزائرين في هذا العام - وقد بلغ عددهم 77767 - وكثرة ما أنفقوه أو أنفق عليهم جعلتا ذلك الغلاء في مصلحة منمي المواد الأولى ومورديها وفي مصلحة التجار والصناع على العموم. فعوضتاهم خسائرهم وزيادة، ولكن الفقراء - وهم بكل أسف الأغلبية - لم يستفيدوا إلا قليلا من الملايين المقنطرة التي صرفت في هذه السنة واحتفالاتها، فلم يخفف بؤسهم، ولا فاقتهم لطفت. وهم الذين كانت تقع عين الأجنبي عليهم في الغالب، فيحكم بانتشار البؤس وينسبه إلى مظالم الحكام ومغارمهم، أو إلى تعسف الحكومة بالرعايا، مع أن الحكومة في هذه السنة عينها وضعت تعريفة عمومية للنقود منعا لتلاعب ذوي المطامع بها.
ومع أن فيضان سنة 1870 كان أقل علوا من سابقه، إلا أنه كان طاغيا أيضا - فإن ارتفاع مياهه بلغ نيفا وأربعة وعشرين ذراعا وسبعة عشر قيراطا، فأتلف كل الذرة المزروعة على السواحل النيلية، وأنذر - لا سيما في جهات الصعيد - أطيان الفقراء من مزارعيها بالطغيان عليها وتخريبها، فما كان من (إسماعيل) إلا أنه أمر بكسر جسور النيل أمام أطيانه الخاصة لتحويل مياهها إليها، وصرفها عن أطيان أولئك البائسين، ولم يبال في سبيل منفعتهم بالضرر الذي أصابه.
Неизвестная страница