История Египта при хедиве Исмаиле Паше
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Жанры
25
وبقى جوردون مجدا في تنظيم البلاد وإصلاح شئونها بلا مساعدة مصر إلى سنة 1876، فاستعفى، وعاد إلى القاهرة، ومنها إلى بلاد الإنجليز، تاركا پراوت، من أركان حربه، وكيلا مكانه على خط الاستواء، ثم ذهب الكولونيل پراوت، فناب عنه أمين بك، فبقي إلى أيام الثورة المهدية، ثم انقطعت أخباره.
وكان حاكما على السودان في مدة ولاية جوردون على خط الاستواء إسماعيل باشا أيوب، فجرت في عهده حوادث جمة ذات بال، أهمها فتح بحر الغزال، وبلاد النمانم، وسلطنة دارفور، وضمها إلى أملاك الحكومة المصرية على يد الزبير رحمت باشا.
والزبير هذا ولد في جزيرة واوسي بالسودان، من قبيلة الجميعاب المقيمة على النيل الكبير بين جبل قرى وجبل الشيخ الطيب في 8 يولية سنة 1831، ودخل مكتبا في الخرطوم فتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن، وتفقه على مذهب الإمام مالك، ولما بلغ الخامسة والعشرين من عمره تزوج بابنة عم له، واشتغل بالتجارة، ثم حدث بعد سنتين أن ابن عم له يدعى محمد عبد القادر دخل في خدمة علي أبي عموري، من أهالي نجع حمادي، ومن التجار الكبار الذين كانوا يتجرون في جهات بحر الغزال، وسافر معه خلسة، فأخذت الزبير الشفقة عليه لاعتقاده أن بلاد بحر الغزال كثيرة الأخطار بعيدة الشقة، فلحقه بقصد إرجاعه، فأدركه في رحلة ودشلعي على النيل الأبيض، مسيرة يوم من الخرطوم، وأخذ يثبط عزمه عن السفر، فأقسم ابن عمه أن لا يعود إلى الخرطوم قبل أن يتم سفرته، فشق ذلك على الزبير، وأقسم له بالطلاق أنه إن لم يرجع عن عزمه سافر معه، فلم يزل ابن عمه مصرا على السفر، فسافر الزبير معه برا بقسمه، ودخل صحبته في خدمة أبي عموري، فسار بهما الرجل من ودشلعي في 14 سبتمبر سنة 1856 قاصدا بحر الغزال، والزبير يستعيذ بالله من ذلك السفر، ويتوقع منه الشر والأخطار، فجاء بأحسن ما كان يتمنى، وكان السبب في بلوغه مقاما لم ينله أحد في السودان قبله، ولا ناله بعده سوى (محمد أحمد المهدي)،
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .
فما زال الرجل سائرا بهما حتى حط رحاله في زريبة علي أبي عموري المعروفة باسم عاشور، على اسم شيخ البلد، حيث أقام الزبير مساعدا مخدومه على تجارته بضعة أشهر، ولكن أهل تلك البلاد ما لبثوا أن هاجوا على التجار، طمعا في أموالهم سنة 1857، فجمعوا جموعهم من كل الجهات، وهاجموا الزرائب، فقتلوا بعض التجار وسلبوا أموالهم، وهاجموا كذلك زريبة أبي عموري، فقام الزبير في رأس رجاله، وأشعل النار في المهاجمين، وهزمهم شر هزيمة، بعد أن قتل منهم خلقا كثيرا.
فلما سمع التجار في تلك الجهات بانتصاره عليهم جاءوه، والتفوا حوله، وأحبه أبو عموري؛ إذ رأى أن سلامته كانت على يديه، وجعل له قسما من أرباحه، ولما هدأت البلاد تركه في محله وكيلا عنه، وسار إلى الخرطوم، فغاب ستة أشهر، وعاد ببضائع جديدة، فوجد عند وكيله من المحصولات البلدية ما لم يكن يجمعه هو في سنين، فزادت رغبته فيه، وعرض عليه الشركة بالنصف، فأبى، وعزم على إنشاء محل تجاري لنفسه.
وبهذا العزم رجع إلى الخرطوم سنة 1858، وكان قد جمع من تجارته مع أبي عموري نحو ألف جنيه، فاشترى بها بضائع وذهبية، واكترى بعض الأنفار على عادة التجار، وسلحهم بالبنادق، وسار بهم والبضائع في الذهبية إلى مشرع الريك، ومنها برا إلى بلاد قولو، وكان عليها ملك يقال له كواكي، فرحب به وأكرم مثواه، فأخذ يتجر في بلاده حتى اجتمع عنده من سن الفيل، وريش النعام، وغيرهما من خيرات البلاد شيء كثير، فأرسلها مع ابن عمه محمد أحمد رحمت إلى الخرطوم، فباعها، وعاد إليه ببضائع البدل، فسافر بها في سنة 1859 إلى بلاد النمانم الواقعة إلى الجنوب الغربي من بلاد قولو، وكان عليها سلطان يقال له السلطان تكمة ، فقدم له الزبير هدية فاخرة، واستأذنه في الاتجار في بلاده، فأذن له - وكانت كثيرة الجواميس والفيلة، ولا قيمة لسن الفيل فيها لكثرته، ولم يكن النمانم يعرفون الحمير، ولا الجمال، ولا الخيل، وكان مع الزبير حمار جميل، فأهداه إلى السلطان، فاستغرب هيئته وظنه رجلا ممسوخا فلم يقبله، ولكنه احتسب للمهدي نيته، وكافأه عليها بتزويجه أكبر بناته المدعوة (رانبوه)، فعلا مقامه بتلك المصاهرة في عيون أهل البلاد، وزادت تجارته رواجا وتحسينا، واجتمع عنده في وقت قصير شيء كثير من سن الفيل والخرتيت وغيرهما.
وفي شهر مارس 1862 استأذن السلطان تكمة في العود إلى الخرطوم، وسار بسلعه يقصد تلك العاصمة، فمر بصاحبه أبي عموري، فوجده متأهبا للسفر بتجارته هو أيضا إلى تلك الجهة، فاتفقا على الذهاب معا، ولكنهما تخلصا من مشقة نقل البضائع بالبر، بنيا مركبين، ووسقا فيهما بضائعهما ورجالهما البالغ عددهم 214 نفرا، وسارا في نهر نبقو، أحد فروع بحر الغزال، الذي لم يسلكه أحد قبلهما، وهما يقصدان مشروع الريك، فما مخرا فيه 13 يوما بلياليها إلا واتسع مجرى النهر حتى صار أشبه ببحيرة واسعة منه بنهر، وخفي عليهما المجرى الأصلي، فتاها برجالهما خمسة وسبعين يوما، ثم وقع لهما ولمن معهما من الحوادث الغريبة والعجيبة ما هو أشبه بروايات السندباد البحري البغدادي منها بوقائع حقيقية. وأخيرا أتيا مشرع الريك في 19 يولية سنة 1863، وأقلعا بالمراكب منها إلى الخرطوم فدخلاها بمن بقي من رجالهما، وعددهم ستة، في 11 سبتمبر سنة 1863.
26
Неизвестная страница