История Египта при хедиве Исмаиле Паше
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Жанры
ولما كان الباعث له على كل هذا الاهتمام الفرعي اهتمامه الأصلي بتكوين جيش، فكر في إنشاء مدرسة للطب، وفي الواقع أنشأها منذ سنة 1825، ولكن الذي يستوقف الانتباه هنا هو أنه عدل، في اختيار الطلبة لها، عن طريقته في اختيار الطلبة لمدرستيه الحربيتين التحضيرية والعسكرية؛ وجعل كل تلامذتها من المصريين، لا سيما من شبان الطلبة الأزهريين.
وفي سنة 1826 أرسل إلى فرنسا أول بعثة تلميذية أرسلت إليها؛ وكانت مؤلفة من 40 شابا، معظمهم من تلامذة القصر العيني، وبعضهم من طلبة مدرسة الطب وأمرهم بتعلم الفنون العسكرية، والقوانين الإدارية، والهندسة المدنية والحربية، وعلى الإجمال جميع العلوم التي كان الباشا مضطرا، من أجلها، إلى استخدام الغربيين، لعدم وجود مصريين خبيرين فيها.
فنجحت تلك البعثة نجاحا حمل الباشا العظيم في سنة 1834، تقريبا، على إيجاد نيف ومائة طالب في باريس، وعلى إبطال البعثات إلى إيطاليا، وإنجلترا، والبلاد الأخرى.
ولم يقتصر غرض (محمد علي)، من هذه البعثات المتوالية ومن المدارس الأولى التي أنشأها، على محض تعليم بعض الأفراد من المصريين وساكني مصر فقط؛ بل إنه رمى إلى تكوين أساتذة منهم، يتمكن بواسطتهم، بعد نبوغهم، من نشر ظل العلوم الوارف على القطر كله؛ والنهوض به من هاوية الجهل السحيق التي طرحته فيها من حالق حكومة الأتراك العثمانيين والأمراء المماليك.
ولا أدل على ذلك من أنه في سنة 1834، لما عاد طلبة البعثة الأولى الأربعون إلى مصر، قابلهم الأمير بنفسه، وسلم إلى كل منهم كتابا فرنساويا في العلم الذي تعلمه، وكلفه بترجمته إلى التركية.
وأمر بهم، بعد خروجهم من حضرته، فأغلقت عليهم أبواب القلعة ثلاثة أشهر بأكملها ليترجموا تلك الكتب؛ ولم يفرج عنهم إلا عند فراغهم من ترجمتها، وبعد أن طبعت تلك الترجمات بالمطبعة الأهلية التي أسسها الباشا ببولاق، وزعت على أساتذة وطلبة المدارس التي كانت الأصول الفرنساوية قد أحضرت لأجلها.
ثم أنشأ حوالي سنة 1836 مجلسا أعلى للمعارف، مؤلفا من نخبة من أولئك الطلبة وبعض علماء الفرنساويين؛ ووضع على رأس إدارته وزيرا اسمه مصطفى بك مختار، كان أول وزير معارف عين في مصر على ممر سني تاريخها، وجعل أهم أغراض ذلك المجلس تقديم العدد الكافي من الضباط الأكفاء لجيشه النامي على ممر السنين، والذي لم يعد يمكن ملء الفراغات التي يحدثها الموت في صفوفه بشبيبة جديدة من المماليك الشراكسة، لصعوبة جلبهم من بلادهم؛ ولا بأولاد خدام (محمد علي) الأمناء من الأسيويين والأتراك، لظهور نسل هؤلاء الموظفين في مظاهر أجسام ضعيفة يعوزها الذكاء والصحة، فضلا عن قلة عدده.
وبما أن كل أعضاء ذلك المجلس الأعلى كانوا قد تربوا بفرنسا تربيتهم كلها، سواء في ذلك الفرنساويون منهم وغير الفرنساويين، فإن نزعاتهم كانت فرنساوية محضة، ولا غرابة في كونهم أدخلوا على القطر طرق التعليم الفرنساوية، وأنهم حاولوا تطبيقها على احتياجاته بقدر ما استطاعوا.
على أن تربيتهم الفرنساوية كانت قد غذتهم بلبان آمال لمستقبل البلاد، لم يكن لهم بد من السعي إلى تحقيقها، ومنها أمل إنشاء دولة عربية جديدة تجاه الدولة التركية المتداعية، المشتبكة مصر في حرب معها، لتحل من العالم الإسلامي محلها.
ولا شك في أن هذا الأمل كان يدور، في ذلك الحين المضطرب، في مخيلة الكثيرين من أبناء البلاد، بل الكثيرين من الأتراك المتمصرين أنفسهم، ولم يكن (محمد علي) يرى مصلحة في اجتثاث جذوره، بالرغم من أن ميوله كانت كلها تركية؛ لأنه كان، هو نفسه، يحلم بدولة عربية تكون أسرته مالكة لها، كما كانت الأسرة العباسية العربية مالكة لدولة أركانها فارسية.
Неизвестная страница