История Египта при хедиве Исмаиле Паше
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Жанры
وأما التي على ساحل الأوقيانوس الهندي، فواحدة في بربرة، قائمة هناك، دليلا ساطعا على نور المدينة والحضارة المنبعث عن (إسماعيل) إلى أقصى أطراف مملكته، والمنبئ بشروق شمس أيامه في شرق القارة السوداء، لتبدد غياهب ظلماتها الهمجية وتخترق حجب دياجيرها المدلهمة.
وقد بلغ ما أنفق في إقامة هذه المنارات الشاهقة التي كان معظم حراسها من الإنجليز الخبيرين بعملها، نيفا ومائة وتسعين ألف جنيه؛ وقد اعتنى بها وبتنظيمها اعتناء جعلها في مقدمة مثيلاتها في البلاد الغربية عينها، وجعل ما يتقاضى من الرسوم على السفن المنتفعة بها يزيد على ما تستدعيه صيانتها من نفقات - والفضل في ذلك إلى مديرها العام ماك كيلوب باشا.
8
وكانت السفن التي تجتاز قنال السويس إلى الشرق الأقصى تدفع رسوما في ذهابها وإيابها؛ وأما التي تقف في السويس ثم تعود إلى بورسعيد فلم تكن تدفع سوى رسوم الذهاب؛ والسفن الحربية لا تدفع شيئا؛ وأما السفن البريدية فكان يعمل خصم قدره 5٪.
ولعلم (إسماعيل)، أيضا، أن نفخ روح الحياة في أصناف الصناعات والفنون وأبواب العمل، من شأنه أن يضاعف الحركة التجارية بإكثار مستورداتها وصادراتها أكب على الأمرين معا بكل نشاط نفسه النشيطة.
أما الصناعات والفنون - وقد كانت مصر في أيام الفاطميين والأيوبيين، بل في ذات أيام السلاطين المماليك من بحريين وبرچيين، مهبطها وكعبتها - فإن الحكم التركي المملوكي - الذي أنشأه في الديار السلطان العثماني سليم خان الأول عقب انتصاره على جنود طومان باي البواسل، في واقعة الريدانية، وذبحه نيفا وخمسين ألفا من سكان القاهرة، وسلبه كنوزها ونفائسها وتسييره صناعها ومشاهير رجال فنونها إلى الأستانة، مع الزمرة من أعيانها التي اعتقلها فيها صحبة المتوكل على الله آخر خليفة عباسي بمصر - كان قد قضى عليها قضاء مبرما؛ كما قضى على كل حركة حيوية غيرها: فبت ترتاد البلاد من الإسكندرية إلى أسوان فلا تجد مصنعا واحدا من المصانع العديدة التي كانت تعمل فيها النفائس والطرف من أنواع ما تحفظه دار آثارنا العربية بمصر، اليوم.
فلما استلم (محمد علي) زمام الحكم بيده القوية، وصفا له الجو بزوال أيام معارضيه من مماليك وغيرهم؛ ووقع في خلده أن ينشئ في مصر، ومن مصر، دولة شابة يقيمها على جبهة الشرق، ساطعة السنا، رأى أنه لا بد له من إحياء الصناعات والفنون فيها، ليتمكن من نيل أغراضه وقضاء أوطاره.
فأقبل ينشئ المعامل والمصانع في كل جهة؛ منها ما هو لصنع الأشياء الشرقية التي كانت البلاد تصنعها في أيام عزها السابق - ونرى بعضها الآن مما صنع في عهده في قصور أفراد أسرته الكريمة و«سراياتهم»؛ ومنها ما هو لصنع الأشياء الغربية المستوردة من الخارج.
تلك المعامل والمصانع أقيمت، في الوجه البحري: بمصر، وقليوب وميت غمر وزفتى والمحلة الكبرى وسمنود والمنصورة ودمياط وفوة وشبراخيت إلخ، وفي الوجه القبلي: في بني سويف والمنيا ومنفلوط وأسيوط وطهطا وجرجا وسوهاج وإخميم وإسنا إلخ؛ واشتغل فيها نيف وعشرون ألف عامل.
ولكنها، بالرغم من وجود الرؤساء المستقدمين من أوروبا حتى من أميركا بكثرة فيها، لتعليم الصناع المصريين المشتغلين تحت إدارتهم، ما لبثت كلها أن تعطلت وأقفلت في عهد (محمد علي) عينه، ما عدا معمل الطرابيش بفوة، فإنه بقي قائما بفضل استيراد جميع أفراد الجيش والهيئة الإدارية طرابيشهم منه.
Неизвестная страница