Египет за две трети века
مصر في ثلثي قرن
Жанры
القوانين توضع أعجمية، وتبحث بلسان أعجمي، ويقضى بتنفيذها وطاعتها، وبعد ذلك تترجم بلغة الأمة. فإذا سألت: لماذا يكون ذلك؟ فلا تجد جوابا إلا أن هناك لغة غريبة يراد أن تكون أصلا واللغة الرسمية فرعا، أو رأسا واللغة الوطنية ذيلا، وإذا سألت: لماذا لا يعرف الموظفون الأجانب لغة البلاد لأنهم المحتاجون إلى الوظائف ولأنهم موظفون في حكومة البلاد؟ فلا تجد جوابا إلا أنهم أرادوا عكس الآية وكفى.
وظهرت مخاصمة اللغة العربية في التعليم منذ سنة 1891، فقد كانت اللغة العربية لسان التعليم في المدارس كلها، وفي هذه السنة دخلت اللغة الأجنبية المدارس الابتدائية، وجعلت لسان التعليم في دراسة علمي الأشياء والجغرافيا، وفي سنة 1892 دخلت المدارس الثانوية وجعلت لسان التعليم في دراسة العلوم الطبيعية والتاريخ والجغرافيا، ولما جاءت سنة 1897 لم يكن للغتنا أثر في التعليم بهذه المدارس.
وإذا كان يشفع في هذا أن إهمال اللغة في الدرجتين الأوليين من درجات التعليم لا يضيرها كثيرا لأن حضانة الأسر لأبنائها كفيلة بحفظها؛ فإنا ننكر أن إشراب النفوس الناشئة لغة أخرى منذ الحداثة، لا ينزل هذه اللغة من نفوسهم في المكان الذي يجب أن تنزله لغتهم القومية، على أن سياسة التعليم التي رأت أن تنسخ ظل اللغة العربية من التعليم الابتدائي لتنزع جذورها من الصدور نسخت ظلها من التعليم العالي أيضا، والنتيجة المقصودة أن تبقى اللغة بعيدة عن المنهج العلمي فلا تكون لغة علم كما لا تكون لغة قومية.
كانت لغة الأمة لسان التعليم في مدرسة الطب إلى سنة 1897، ثم أغارت عليها اللغة الأجنبية في تلك السنة، كانت لغة البلاد لغة التعليم كله في صغريات المدارس وكبرياتها، فرأينا وقتا طردت فيه لغتنا من مدارسنا كافة، ولولا أن الأمة شديدة الغيرة على قوميتها فهي شديدتها على لغتها، لما عادت اللغة العربية لسانا للتعليم في بعض المدارس.
ومن عجيب ما حدث أن التقرير الذي وضعته لجنة التجارة والصناعة بيانا لنتيجة عملها وضع بلغة أجنبية ثم ترجم إلى العربية، وكان هذا أيضا شأن لجنة التعليم الأولي في تقريرها، وهو شأن كل لجنة تؤلفها الحكومة المصرية لتؤدي عملا.
أما موقف الأمة فيدل على جلاله هذا الفخر الذي وعاه صدر الأيام، والذي استحقته بفضل الغيرة الدائمة على لغتها والجهاد الدائم لنصرتها، وقد ذاعت الصحف الوطنية فأدت نصيبا غير قليل في خدمة اللغة، هذبت الأساليب، وأدتها إلى الأفهام مستقيمة، ونثرت المفردات الفصيحة؛ فوعتها الأذهان وظهرت في التفاهم كتابة ومخاطبة، ومن جميل ما فعلته الصحف الوطنية أن طهرت الأساليب من الألفاظ الفاسدة والتراكيب السقيمة والكلمات التي ينفر منها الذوق، مما دخل به المتمصرون على هذه البلاد.
أما الأدب والتأليف فالفخر بهما عظيم، وإنك لتعد الجم من الشعراء المطبوعين على سلامة الذوق وتجويد اللفظ والمعنى، والكتاب المنشئين ممن يمتعك بيانهم، ويطربك حريف أقلامهم، وإنك لتستقبل كل يوم مؤلفا جديدا أقل ما فيه من الخير أن به من مفردات اللغة ما يدل على مستحدث المعاني ومستجد الأشياء.
هذه غيرة الأمة على لغتها، وهذا جهادها في سبيل نصرتها، فهل يضيرها بعد ذلك أن تبقى مخذولة بين جدران الدور الحكومية؟ هل يضيرها ألا يرسم بها شيء، وأن توضع أسفل من غيرها في كل ورقة أو بطاقة، وأن يجري بها القلم الحكومي سقيما عليلا، لا ينتسب إلى العربية أكثر مما ينتسب إلى الأعجمية؟
إن الذي يرى كتابا أو منشورا خارجا من إحدى دور الحكومة لا يرى فيه حكومة مصر في هذا القرن، بل يراها في قرن الاختلاط، فلغتها قبطية لا تنسب إلى عرب ولا إلى عجم.
راجت سوق اللغة وأرغمت أنف البغي، ولا سبيل إلى القضاء على قومية أمة إلا أن يقضى على لغتها، قال «ماكس نوردو» الألماني: «إن القضاء على لغة أمة قضاء على قوميتها».
Неизвестная страница