Египет на рубеже XIX века (1801–1811) (часть первая)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Жанры
وأخفقت جهود «ستراتون» في إقناع الباب العالي بإجابة رغبة الحكومة الإنجليزية في فبراير سنة 1804، وفي 2 مارس كتب لحكومته موضحا الأسباب التي تدعو الباب العالي إلى التمسك برفضه فيما لا يخرج عما سبق بيانه، بل إن الباب العالي بدلا من الاتفاق مع المماليك؛ كان مصمما على تعيين أحمد الجزار - باشا عكا - لباشوية مصر عندما بلغه خبر مقتل علي الجزائرلي، كما أرسل - على نحو ما كتب ستراتون في 10 مارس - سفينة حربية من نوع القرويت إلى مصر للحصول على معلومات دقيقة عن الموقف هناك، وأظهر استعداده لإرسال أسطول من أربع سفن حربية إلى الإسكندرية تحمل ألف جندي لتعزيز حاميتها، وأبلغ الريس أفندي ستراتون عند اجتماعه به في 19 مارس نبأ تعيين الجزار باشا، وعبثا حاول ستراتون إقناعه بأن هذا التعيين سوف يلقي مصر في أحضان الحرب الأهلية، وأن من المصلحة تسوية علاقاته مع البكوات على الأساس الذي تقترحه بريطانيا.
ولكن الريس أفندي الذي كان قد رفض وساطة فرنسا عند اجتماعه بسفيرها «برون» في 8 مارس؛ أصر على رفض وساطة إنجلترا كذلك، ثم استند الريس أفندي في تمسكه برفضه على ما بلغ الباب العالي من أنباء عن طرد البكوات «البرديسي وإبراهيم بك» من القاهرة في حوادث مارس وعن اتفاق الأرنئود على استدعاء أحمد خورشيد لتولي منصب الباشوية، وقد كتب ستراتون بعد ذلك في 25 مايو أن الباب العالي قد سمح بتثبيت خورشيد باشا في باشوية مصر فعلا.
وهكذا عندما وصل «شارلس لوك» - القنصل العام المعين لمصر - إلى القسطنطينية وعرض على الريس أفندي مقترحات السير ألكسندر بول في 16 يوليو، قوبلت هذه المقترحات بالرفض، واستندت تركيا في رفضها لها على رغبتها في ملاحظة موقف الحياد الدقيق في الحرب القائمة بين إنجلترا وفرنسا.
وهكذا أخفقت محاولة الإنجليز في الوساطة بين الباب العالي والمماليك لتسوية الخلافات القائمة بينهما على أساس يعيد للأخيرين سلطانهم الفعلي في الحكومة كوسيلة مثلى تهيئ سبيل الدفاع عن مصر، كما أخفقت محاولة الإنجليز في إقناع الباب العالي بالموافقة على مشروع السير ألكسندر بول ووضع حامية بالإسكندرية تحت إشراف البريطانيين ، أو طلب قوة إنجليزية أو أجنبية؛ لتعزيز حاميتها على نحو ما اقترحه ستراتون لغرض الدفاع عن مصر ضد الغزو الفرنسي.
وعلى ذلك فقد كان الأثر الثاني الذي ترتب على إثارة مشروع ألكسندر بول بالقسطنطينية سواء في صورته الأصلية أو على النحو الذي فهمه ستراتون، ثم ما عرف عن موقف الأتراك تجاهه، أن نظرية احتلال الإسكندرية سرعان ما وجدت أنصارا كثيرين يؤيدونها من بين السياسيين والعسكريين الإنجليز، ثم لم تلبث أن اتخذت شكلا واضحا في آخر الأمر من حيث ضرورة العمل بها سواء رضي الباب فكان الاحتلال بموافقته، أم رفض فكان الاحتلال عندئذ من شئون السياسة الإنجليزية ومن صميم الوسائل التي يجب عليها اتخاذها لمنع الفرنسيين من غزو البلاد وللدفاع عن مصر.
ولا جدال في أن مرد ذلك كان إلى تطور الحوادث في مصر ذاتها، بسبب الأخطاء التي ارتكبها البكوات الذين رفضوا الحل أو الترتيب الذي اقترحه «دراموند» وتحدثنا عنه سابقا، وقتلوا علي باشا الجزائرلي، وانقسموا على أنفسهم، فطارد البرديسي الألفي، وساءت إدارتهم حتى تمكن محمد علي من طردهم من القاهرة، وأحبط انحلال حكومتهم توسط إنجلترا ومساعيها في القسطنطينية للتدخل في صالحهم، وكان من المتعذر في هذه الظروف أن يكتفي الإنجليز بالاعتماد على الألفي؛ لتأسيس نفوذهم في مصر أو أن يتوقعوا لهذه الأسباب جميعها استطاعة المماليك الدفاع عن البلاد إذا تعرضت للغزو الفرنسي، لا سيما وقد ساورتهم الشكوك في ولاء الألفي نفسه لهم، عدا أنه صار مطاردا وهاربا، وحاول «هالويل» عند وصوله مع الألفي إلى الشاطئ المصري إقناع أحمد خورشيد في 19فبراير بأن الطريقة المثلى لإحباط مشروعات الفرنسيين إغراق عدد من السفن في مداخل الميناء القديمة؛ لمنع سفن العدو من الدخول إليها، ولكن دون طائل.
وقال «هالويل» في كتابه إلى «نلسن» في 16 مارس بعد عودته إلى مالطة: «إن الوقاحة بلغت بخورشيد باشا حدا جعله يقول له إنه إنما يحاول أن يجذب انتباهه إلى الفرنسيين حتى يشغله الحذر والاحتياط لدفع هجوم المماليك والألبانيين الذين يهددون من مدة بمحاصرة الإسكندرية»، وتدخل القنصل الفرنسي «دروفتي » لإحباط مشروع هالويل.
وهكذا كان واضحا أن الإنجليز لا يمكنهم الاعتماد على الألفي، ولا يمكنهم الاعتماد على البرديسي وإبراهيم، اللذين كانا قد أبديا ميولا طيبة نحو إنجلترا - بسبب وعود «تابرنا» لهما - فقد كتب مسيت في 29 مارس و13 مايو أنه لا يمكن الوثوق بهما، وأن البرديسي منحاز إلى فرنسا بسبب نشاط «لسبس»، فضلا عن توقع تواطؤ البكوات مع الفرنسيين ومؤازرتهم المنتظرة لجيشهم إذا جاء إلى مصر لما هو معروف عن خلقهم الغادر وخيانتهم، بل إن البرديسي لا يتورع عن التضحية بأي شيء بسبب أطماعه الشعبية في سبيل مصالحه الخاصة، وكذلك لا يمكن الاعتماد على خورشيد باشا، وهو الذي رفض مقترحات «هالويل».
ويشك مسيت علاوة على ذلك في أن لديه من الكفاءة والمواهب ما يجعله قادرا على شغل منصب الباشوية بنجاح، ولا نفوذ ولا جند له، ويستأثر محمد علي بالسلطة الفعلية منذ وصول خورشيد إلى القاهرة - رسالتا مسيت إلى هوبارت في 19 أبريل و28 مايو - ومن المتوقع حدوث اصطدام بين خورشيد ومحمد علي، ولا يمكن كذلك الاعتماد على محمد علي، وهو الذي اعتقد مسيت أنه قد انحاز نهائيا إلى جانب فرنسا - وقال مسيت في كتابه إلى ستراتون في 4 أبريل: «إنه عندما كلف ترجمانه في القاهرة بأن يبلغ الأرنئود نوايا الجمهورية الفرنسية ويشرح لهم آراءها وأغراضها العدوانية ضد مصر، وضد المورة ويرجوهم وضع عدد كاف من الجند على الساحل لمقاومة نزول أي جيش غاز، أبلغ محمد علي الوكيل الفرنسي هذه الرسالة المرسلة من «مسيت» إليه»، بل إن مسيت ما لبث أن أكد للورد هوبارت في 13 مايو بعد ثورة 11-13 مارس في القاهرة ضد البرديسي وإبراهيم بك «أنه من المعروف للخاص والعام أن الوكيل الفرنسي قد وعد «محمد علي» وأحمد بك بمبلغ ثلاثين ألفا من الجنيهات لإغرائهما بطرد المماليك من القاهرة»، وفي 5 مايو كان قد قال عنه: «إن هذا الزعيم «الألباني» كبير الولاء لفرنسا التي يبغي عن طريق وساطة وكلائها الوصول إلى باشوية مصر، ولن يتردد محمد علي لضمان هذه الوساطة عن اتباع أية خطة أو السير في أي طريق»، ولما كان من المنتظر أن تبذل فرنسا قصارى جهدها لمنع المماليك من استرجاع سلطانهم في الوجه البحري، وأن تؤيد - في الوقت نفسه - أغراض محمد علي الذي يعمل عندئذ - اعترافا بجميل فرنسا عليه، وخدمة لمآربه الخاصة - على تعزيز المصالح الفرنسية؛ فقد اقترح «مسيت» على حكومته في رسالته هذه «أن تتخذ ما يلزم من خطوات لإبعاده من «مصر»؛ لأنه - كما قال - رجل لا مبادئ له بدليل ما صرح به «لمسيت» نفسه من أن الحكومة التي تدفع له أكثر من غيرها هي التي تظفر بخدمته لها، الأمر الذي يجعل «مسيت» يعتقد يقينا أن «محمد علي» قادر على مناصرة جيش فرنسي يغزو البلاد إذا وجد في ذلك مزايا كافية لإغرائه وتحقيق مطامعه، وفضلا عن ذلك فإن «مسيت» يعتقد أن إبعاده من مصر يمكنه من الاستمتاع غاية الاستمتاع بذلك النفوذ الذي له على خورشيد باشا»، وقد استطاع «مسيت» فعلا أن يجعل خورشيد باشا يسعى لدى الباب العالي من أجل إبعاد محمد علي، وكتب إلى اللورد هوبارت في 16 أغسطس: «إن خورشيد - بفضل مساعيه - قد أوصى الديوان العثماني بتعيين محمد علي لباشوية سالونيك.»
وعلى ذلك فقد كان واضحا أن السلطة صارت موزعة في مصر بين أربعة أحزاب على رأسها البرديسي، والألفي، ومحمد علي، وخورشيد باشا، وأن الحكومة الإنجليزية لا تستطيع الاعتماد في شيء على أي حزب من هذه الأحزاب الأربعة، وكان حينئذ أن كتب مسيت إلى حكومته في 28 مايو: «إنه لا يمكن أن يكون هناك أي استقرار في الحقيقة أو أن يستتب الهدوء والسلام في مصر إلا في حالة واحدة هي أن تقدم الحكومة الإنجليزية على اتخاذ الوسائل النشيطة والفعالة للدفاع عن إقليم يعجز صاحب السلطان عليه عن صونه وحمايته والذود عن سلامته»، ومعنى ذلك بعبارة أخرى: أنه لا يمكن أن يكون هناك استقرار في مصر إلا إذا صح عزم الحكومة الإنجليزية نهائيا على إرسال جيش «بريطاني» لاحتلال الإسكندرية.
Неизвестная страница