323

Египет на рубеже XIX века (1801–1811) (часть первая)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Жанры

يفسر مسلك السيد النقيب الذي كفل له الوصول إلى غايته هذه - وإن دفع ثمنا باهظا بعد ذلك لنجاحه الذي أدركه - جملة حوادث، منها أنه لم يعتكف ولم ينزو، بل اشترك في الحياة العامة، وثابر على التمسك بمظاهر الصدارة، يوزع التفاته إلى السلطات الحاكمة والبكوات المماليك بالعدل والقسطاس، وبالقدر الذي يتفق مع صالحه، فيحضر في أكتوبر 1801 احتفال عقد كريمة إبراهيم بك (السيدة عديلة)، ويحضر ما يقام من احتفالات لقراءة الفرمانات الواردة من الباب العالي، أو لوصول كسوة الكعبة الشريفة من حضرة السلطان، وقد صادفته أزمة في هذه الأيام الأولى عندما نازعه على نقابة الأشراف، وسلبها منه شخص يدعى يوسف أفندي، اشتهر بسوء السمعة والسيرة قبل مجيء الفرنسيين، ارتحل عن البلاد إلى إسلامبول وقت مكثهم بهذه البلاد، ثم صار يتحيل ويتدخل في بعض حواشي الدولة حتى ظفر بتولي نقابة الأشراف ومشيخة المدرسة الحبانية، فحضر إلى مصر في ديسمبر 1801 بعد جلاء الفرنسيين، وأهمل أمره أولا لمعارضة أعيان الأشراف له، غير أن محمد خسرو باشا لم يلبث أن قلده النقابة في 2 فبراير 1802، وبذل عمر مكرم قصارى جهده لاسترجاعها، وآزره في مسعاه يوسف ضيا الصدر الأعظم، الذي هرع عمر مكرم وبعض المتعممين لتوديعه عند مغادرته القاهرة في 13 فبراير من العام نفسه، فأعطاهم صررا وقرءوا له الفاتحة، فلم يمض شهران حتى وصل في 18 أبريل 1802 قاصد من الديار الرومية بمكاتبات وتقرير نقابة الأشراف للسيد عمر وعزل يوسف أفندي. وفي 19 أبريل ركب السيد عمر المذكور وتوجه إلى عند الباشا فألبسه خلعة سمور، ثم حضر عند الدفتردار شريف أفندي، فكانت مدة عزله من النقابة شهرين ونصفا.

ثم إن عمر مكرم حرص على أن يظل مقربا من خسرو باشا، وموضع ثقة رجال الدولة، من الأدلة على ذلك أنه ثار نزاع على ميراث في غضون شهر أكتوبر 1802 بين القائم على خدمة مقام سيدي أحمد البدوي ونسيبه، وادعى كل منهما أن بوسعه إحضار الأموال التي يكنزها الآخر للحكومة، فعوق خادم المقام في بيت السيد عمر مكرم، وذهب نسيبه مع طائفة من الجند إلى طنطا وجاء بأموال كثيرة كانت مخبوءة في بئر مردومة وفي مواضع أخرى.

وثمة دليل أهم من الأول، هو أن السيد عمر امتنع عن مقابلة «سباستياني» أثناء زيارة هذا لمصر في مهمته التي سبق الكلام عنها في أحد فصول هذا الكتاب، فقال «سباستياني» في تقريره: إنه توجه لزيارة عمر مكرم يوم 28 أكتوبر 1802، ولكن هذا كان مريضا فقابله ولده، ولم يذكر «سباستياني» أنه تسنى له بعد ذلك مقابلة النقيب بتاتا، وكان الحذر مبعث عدم مقابلته للفرنسيين، في وقت كان فيه للفرنسيين حزب من بين طوائف البكوات المماليك، والعلاقات متحرجة بين هؤلاء والدولة، وقد شاطر في هذا الحذر سائر المتصدرين، كالمشايخ: أحمد العريشي ومحمد المهدي ومحمد الأمير، وبعث خليل البكري يرجو «سباستياني» عدم زيارته؛ نظرا لسوء العلاقة بينه وبين الحكومة القائمة، ولم يرحب بزيارة الفرنسي سوى سليمان الفيومي، وبعث محمد السادات مع رسوله (جوبير) يؤكد ولاءه للفرنسيين.

ولم يسمع للسيد عمر مكرم - أو لسائر المشايخ والمتصدرين - صوت في الانقلاب الذي أفضى إلى طرد محمد خسرو، ولم يكن ليسمح أصحاب الانقلاب لأحد بالتدخل، وهم الذين كانوا - كما عرفنا - يقولون نحن مع بعضنا وأنتم رعية فلا علاقة لكم بنا، ولكن عندما احتاج طاهر باشا إلى سند شرعي موقع عليه من القاضي والمشايخ ونقيب الأشراف، يبعث به إلى الدولة تفسيرا لحركته، طلب هؤلاء - ومنهم عمر مكرم - لمقابلته يوم 6 مايو 1803، فانتهز المشايخ الفرصة وكلموه على رفع الحوادث والمظالم وظنوا فيه الخيرية، ولم يسجل الشيخ الجبرتي عن هذا الكلام سوى ما ذكرنا، ولكن قنصل النمسا (روشتي) أضاف في رسالته إلى «شتورمر» في القسطنطينية - أن عمر مكرم كان من بين المتكلمين في رفع المظالم التي يشكو منها الشعب، وأن طاهر باشا والدفتردار خليل أفندي السرجاني قد وعدا المشايخ خيرا، ولقد شهدنا كيف أن هذه المظالم استمرت برغم هذه الوعود الكاذبة، فلم يكن لهذه الوساطة التي تكاتف فيها المشايخ ولم ينفرد بها عمر مكرم أي أثر، بل كانت من قلة القيمة وعدم الجدوى بحيث لم ير الشيخ الجبرتي مسوغا لذكر أية تفاصيل عنها.

ولم يلبث أن تبع ذلك انقلاب أطاح برأس طاهر باشا، فلم يسمع للسيد النقيب والمشايخ صوت أو يعرف عنهم تدخل في هذا الحادث، سوى توسيط أحمد باشا والي المدينة لهم بالأمر لدى محمد علي لإقناعه بالإذعان إلى الطاعة عندما طمع أحمد باشا - دون جدوى - في الولاية، ولكن عمر مكرم رحب ترحيبا كبيرا بقيام الحكومة الثلاثية. وفي اليوم الذي وصل فيه محمد خسرو باشا إلى بولاق في أسر البكوات الذين اقتادوه من دمياط إلى القاهرة، دعا عمر مكرم إبراهيم بك (في 19 يوليو 1803) في بيته ببولاق فجلس عنده ساعة، وغرض النقيب توثيق صلاته بأرباب الحكم الجديد ولما يمض أسبوعان على تولي إبراهيم بك القائممقامية.

ولم يعرف عن عمر مكرم أنه توسط في نصح أو إرشاد أو احتجاج لدى البكوات إبان حكومتهم بالرغم من المظالم التي أوقعوها بالناس، والتي سردنا سابقا الشيء الكثير منها، اللهم إلا إذا ورطه العامة توريطا، وتساند معه بعض المشايخ المتصدرين في هذا المسعى، وانطوى التوسط على خدمة تسدى إلى البكوات أنفسهم بتهدئة الخواطر من ناحيتهم، كما حدث في نوفمبر 1803؛ حيث وقف في الخامس والعشرين من هذا الشهر جماعة من العسكر في خط الجامع الأزهر في طلوع النهار، وشلحوا عدة أناس وأخذوا ثيابهم وعمائمهم، فانزعج الناس ووقعت فيه كرشة استفحل أمرها فوصلت إلى بولاق ومصر العتيقة وأغلقت الحوانيت، واجتمع الناس وذهبوا إلى الشيخ عبد الله الشرقاوي والسيد عمر النقيب، والشيخ محمد الأمير، فلم ير هؤلاء بدا من الركوب إلى البكوات وعملوا جمعية وأحضروا كبار العساكر وتكلموا معهم ...

ولم تكن في صالح عمر مكرم معارضة البكوات، الذين صاروا أصحاب الحول والطول الآن في القاهرة، ولم تكن له ندحة عن استبقاء صداقتهم له، وقد شمل ظلمهم العامة والخاصة، فبقي محتفظا بمكانته لديهم، وظل الشعب واثقا في وساطته، ولقي منافسوه على أيدي البكوات كل عنت وإرهاق، بينما استمر هو معززا مكرما، فمن المعروف أن عثمان البرديسي حاول أن ينتزع عنوة من الشيخ محمد السادات منافس السيد النقيب وعدوه في البطن سلفة إجبارية في أواخر يناير 1804، فلم ينقذ الشيخ سوى تدخل عديلة هانم ابنة إبراهيم بك.

ولكن كان من المحال أن يسدر البكوات في غوايتهم، وتتوالى اعتداءاتهم على الأهلين دون أن يتحرك الشعب للثورة في النهاية، وأنذر تلبد السحب بقرب انفجارها، وكان للشيخ محمد الأمير من الجرأة والشجاعة ما حمله على لفت نظر البكوات، فيذكر الشيخ الجبرتي أنه انتهز فرصة اجتماع عقد لدى البكوات لقراءة فرمان ورد من الباب العالي في 2 فبراير 1804، فذكر بعض كلمات ونصائح في اتباع العدل وترك الظلم وما يترتب عليه من الدمار والخراب.

وكان أمام عمر مكرم أن يختار أحد أمور ثلاثة: إما الاستمرار على مصافاة البكوات ومؤازرتهم وسوف يصطدم في هذا مع إجماع المشايخ والمتصدرين الذين طلب الشعب وساطتهم، ولم يبد هؤلاء ترددا في الاستجابة لنداءاته، وكان المشايخ ناقمين على حكومة البكوات بسبب استيلائهم وجماعاتهم عنوة على ما أخذه المشايخ من حصة الالتزام بالحلوان أيام العثمانيين، وقد سبق لهم أن شكوا من ذلك وكتبوا في هذا عرضا لإبراهيم بك منذ 20 أكتوبر 1803، وإما التزام الحيدة، ومعنى ذلك تخليه في هذه الأزمة عن تلك الصدارة التي حرص كل الحرص على عدم التفريط فيها، وهذا ما لا يرضاه بحال، وإما مجاراة المشايخ والمتصدرين في الاستجابة لمطلب الشعب، ولا خوف عليه إن فعل؛ لأنه لا يعدو كونه واحدا من المتصدرين، ومتآزرا معهم، فلا سبيل إلى أن يسعى أحد خصومه لدى البكوات ضده.

وبقي عمر مكرم مترددا، فلم يعرف عنه أنه كانت له يد في تلك المظاهرة الصاخبة التي انفجرت يوم 8 مارس 1804، وصار نداؤها: «إيش تاخد من تفليسي يا برديسي»، ولم يعرف عنه أنه كان بين المشايخ الذين قال الجبرتي إنهم ركبوا وذهبوا لمقابلة البكوات مع الجمهور الصاخب الذي حضر إلى الأزهر، يستحثهم على التوسط لدى البكوات لرفع الفردة التي قرروها على العقار والأملاك، وشرعوا في تنفيذها على يد السيد أحمد المحروقي قبل ذلك بيوم واحد فحسب، ونجحت وساطة المشايخ في إبطالها في التو والساعة.

Неизвестная страница