Египет на рубеже XIX века (1801–1811) (часть первая)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Жанры
واستطاع خليل أفندي بحكم وظيفته، كاتب الذمة، الإحاطة بجميع أسرار كتبة الروزنامة وموظفيها، ومعرفة أساليبهم في إدارة أعمال هذه المصلحة؛ حيث إنه لا يكتب تحويل ولا ورقة ميري ولا خلاف ذلك مما يسطر في ديوانهم حتى يطلع عليه خليل أفندي المذكور ويرسم عليه علامته، وطفق الباشا يسأل ويتجسس عن أحوال الأفندية، وكل قليل يستخبر الباشا من خليل أفندي، ثم انتقل ديوان الروزنامة إلى بيت خليل أفندي نفسه، تجاه منزل إبراهيم بك ابن الباشا بالأزبكية، وترأس بالديوان قاسم أفندي كاتب الشهر (المختص بشئون الالتزام في الوجه القبلي، وجمارك الثغور، ومال البهار والبحرين والخردة)، وقريبه قيطاس أفندي، ومصطفى أفندي باش جاجريت.»
واصطحب إبراهيم بك عند ذهابه إلى الصعيد في أواخر أبريل 1812 لتحرير وقبض الأموال، بعد القضاء نهائيا على المماليك، قاسم أفندي، وظل قيطاس ومصطفى باش جاجريت موضع رعاية حسين أفندي الروزنامجي وولده محمد أفندي، ولا يتعرضان لهما فيما يتصدران له، ويضمنانه في عهدتهما، ووثق إبراهيم بك في قاسم أفندي، الذي صار خصيصا به مثل الوزير الصاحب والنديم، ورتب له الباشا في كل سنة ثمانين كيسا خلاف الخروج والكساوي، وشرط عليه المناصحة في كشف المستورات، وما يكون فيه تحصيل الأموال، فكأنه قصر في كشف بعض الأشياء، وأرسل إبراهيم إلى والده يعلمه بخيانته هو وكاتب الأرزاق، وضرب قاسم أفندي علقة قوية ووصل خبر هذه النكبة إلى القاهرة في 4 يناير 1813، فانتهز الروزنامجي وابنه هذه الفرصة، وصارا يقصران مع قيطاس أفندي ومصطفى أفندي، وأظهر ابن الروزنامجي مكمون غيظه في حقهما، ومانعهما أيضا، وخشن القول لهما، فاتفقا على إنهاء الحال إلى باب الباشا وشرعا يكيدان للروزنامجي وولده.
فما إن رجع إبراهيم إلى القاهرة في 23 يناير 1813، حتى بادر قيطاس ومصطفى برفع أمرهما إلى الباشا، ويقول الشيخ الجبرتي: «ولعل ذلك بإغراء باطني على حسين أفندي الروزنامجي، فعرفا الباشا عن مصارف وأمور يفعلها حسين أفندي ويخفيها عن الباشا، وأنه إذا حوسب على السنين الماضية يطلع عليه ألوف من الأكياس، وكان محمد علي أذن لحسين أفندي في صرف الجامكية السائرة للعامة والخاصة فيما يتعلق بمشايخ العلم والأفندية الكتبة والسيد محمد المحروقي بالكامل، وما عداهم ربع استحقاقهم وكتب له فرمانا بذلك، فقال له الروزنامجي: في بعضهم من يستحق المراعاة كبعض أهل العلم الخاملين وأهل الحرمين المهاجرين ومستوطنين بمصر بعيالهم وليس لهم إيراد يعيشون منه، إلا ما هو مرتب لهم من العلائف في كل سنة، وكذلك بعض الملتزمين الذين اعتادوا سداد ما عليهم من الميري وبعضه بما لهم من الإتلافات والعلائف والغلال، فقال له: النظر في ذلك لرأيك، فإن هذا شيء يعسر ضبط جزئياته، فاعتمد على ذلك وطفق يفعل في البعض بالنصف والبعض بالثلث أو الثلثين، وأما العامة والأرامل فيصرف لهم الربع لا غير حسب الأمر، ويقاسون في تحصيل ربع استحقاقهم الشدائد من السعي وتكرار الذهاب والتسويف والرجوع في الأكثر من غير شيء مع بعد المسافة، وفيهم الكثير من العواجز، فلما ترافعوا في الحساب مانع المتصدر فيما زاد على الربع، وطلع إلى الباشا فعرفه بذلك، فقال الباشا: لا تخصموا له إلا ما كان بإذني وفرماني، وما كان بدون ذلك فلا، وأنكر الحال السابق منه، وقال: هو متبرع فيما فعله، فتأخر عليه مبلغ كبير في مدة أربع سنوات، وكذلك كان يحول عليه حوالات لكبار العسكر برسول من أتباعه، فلا يسعه الممانعة ويدفع القدر المحول عليه بدون فرمان اتكالا على الحالة التي هو معه عليها.»
فطلب الآن الباشا محاسبة حسين أفندي عن أربع سنوات متقدمة، فخرج قيطاس أفندي ومصطفى أفندي باش جاجرت من عنده «وأخذا صحبتهما مباشرا تركيا، ونزلوا على حين غفلة بعد العصر (23 يناير 1813) وتوجهوا إلى منزل أخيه، عثمان أفندي السرجي، ففتحوا خزانة الدفاتر، وأخذوها بتمامها إلى بيت ابن الباشا إبراهيم بك الدفتردار، واجتمعوا في صبحها (24 يناير) للمحاققة والحساب مع أخيه عثمان أفندي المذكور، واستمروا في المناقشة والمحاققة عدة أيام مع المرافعة والمدافعة، والميل الكلي على حسين أفندي، ويذهبون في كل ليلة يخبرون الباشا بما يفعلون، وبالقدر الذي ظهر عليه، فيعجبه ذلك، ويثني عليهما ويحرضهما على التدقيق، فتنتفخ أوداجهما، ويزيدان في الممانعة والمدافعة والمرافعة في الحساب، وحسين أفندي على جليته ويظن أنه على عادته، وأسفر الحساب عن سنة واحدة، نحو الألف ومائتي كيس وكسور؛ أي خمسة آلاف كيس عن أربع سنوات، فتقلق حسين أفندي وتحير في أمره وزاد وسواسه، ولم يجد مغيثا ولا شافعا ولا دافعا.»
وفي 9 فبراير، أحضره وخلع عليه خلعة الإبقاء في منصبه في الروزنامة، وكان غرض الباشا من ذلك تطمينه، حتى يدفع هذا المبلغ، ثم أرسل إليه يطلب منه خمسمائة كيس من أصل الحساب، «فضاق خناقه، ولم يجد له شافعا ولا ذا مرحمة، فأرسل ولده إلى محمود بك الديودار يستجيره فيه، وليكون له واسطة بينه وبين الباشا، وهو رجل ظاهره خلاف باطنه، فذهب معه إلى الباشا، فبش في وجهه ورحب به، وأجلسه محمود بك في ناحية من المجلس، وتناجى هو مع الباشا، ورجع إليه يقول له: إنه يقول إن الحساب لم يتم إلى هذا الحين، وأنه ظهر على أبيك تاريخ أمس خمسة آلاف كيس وزيادة، وأنا تكلمت معه، وتشفعت عنده في ترك باقي الحساب والمسامحة في نصف المبلغ والكسور، فيكون الباقي ألفين وخمسمائة كيس تقومون بدفعها، فقال: ومن أين لنا هذا القدر العظيم، وقد عزلنا من المنصب أيضا، حتى كنا نتداين ولا يأمننا الناس إذا كان القدر دون هذا أيضا؟ فرجع إلى الباشا، وعاد إليه يقول له: لم يمكني تضعيف القدر سوى ما سامح فيه، وأما المنصب فهو عليكم، وفي غد يطلع والدك، ويتجدد عليه الإبقاء، وينكمد الخصم، وعلى الله السداد، ونهض محمد أفندي ابن الروزنامجي وقبل يده وتوجه، فنزل إلى دارهم، وأخبر والده بما حصل، فزاد كربه، ولم يسعه إلا التسليم، وركب في صبحها (10 فبراير) وطلع إلى الباشا، فخلع عليه، ونزل إلى داره بقهره، وشرع في بيع تعلقاته وما يتحصل لديه.»
ولكن الباشا لم يلبث أن عزله من منصبه، وفي 15 فبراير خلع على مصطفى أفندي «باش جاجرت» ونزل هذا إلى داره، وأتاه الناس يهنئونه بمنصب الروزنامجي. وفي 7 مارس طلب الباشا حسين أفندي الروزنامجي، «وطلب منه ما قرره عليه، وكان قد باع حصصه وأملاكه ودار مسكنه، فلم يوف إلا خمسمائة كيس، فقال له: ما لك لم توف القدر المطلوب، وما هذا التأخير؟ وأنا محتاج إلى المال، فقال: لم يبق عندي شيء، وقد بعت التزامي وأملاكي وبيتي وتداينت من الربويين حتى وفيت خمسمائة كيس، وها أنا بين يديك ، فقال له: هذا كلام لا يروج علي، ولا ينفعك بل أخرج المال المدفون، فقال: لم يكن عندي مال مدفون، وأما الذي أخبرك عنه، فيذهب فيخرجه من محله، فحنق منه وسبه وقبض على لحيته ولطمه على وجهه وجرد السيف ليضربه، فترجى فيه الكتخدا والحاضرون، فأمر به فبطحوه، وأمر القواسة الأتراك بضربه، فضربوه بالعصي المفضضة التي بأيديهم، بعد أن ضربه هو بيده عدة عصي وشج جبهته، حتى أتوا عليه، ثم أقاموه وألبسوه فروته وحملها وهو مغشي عليه، وأركبوه حمارا وأحاط به خدمه وأتباعه، حتى أوصلوه إلى منزله، وأرسل معه جماعة من العسكر يلازمونه، ولا يدعونه يدخل إلى حريمه، ولا يصل إليه منهم أحد.
وركب في أثره محمود بك الديودار بأمر الباشا، وعبر داره ودار أخيه عثمان أفندي المذكور، وأخذ صحبته إلى القلعة، وسجنوه، أما ولده وأخواه فإنهم تغيبوا من وقت الطلب، واختفوا، ونزل إليه في اليوم الثاني (8 مارس 1813) إبراهيم آغا آغات الباب يطالبه بغلاق ثمانمائة كيس وقتئذ، فقال له: وكيف أحصل شيئا وأنا رجل ضعيف، وأخي عثمان عندكم في الترسيم (الحبس)، وهو الذي يعنيني ويقضي أشغالي، وأخذتم دفاتري المختصة بأحوالي مع ما أخذتموه من الدفاتر، وأقام عنده إبراهيم آغا برهة، ثم ركب إلى الباشا وكلمه في ذلك، فأطلقوا له أخاه يسعى في التحصيل.» •••
تلك إذا طائفة من الأمثلة التي توضح الأساليب التي اتبعها الباشا في تحصيل المال، والتي جعلت الشيخ الجبرتي ينحى باللائمة الشديدة على حكومته، ويوجه لشخص الباشا نفسه نقدا لاذعا مرا، فيقول: إن «من طبعه الحقد والحسد والتطلع لما في أيدي الناس، وأن لا غرض له سوى سلب أموال الناس من الأغنياء والفقراء.»
وسواء أكان الشيخ الجبرتي محقا في نقده لهذه الأساليب، أم كان الباشا مرغما على اللجوء إليها؛ لحاجته الملحة إلى المال، للأسباب التي ذكرناها في موضعها، فإن أحدا من المشايخ والزعماء الشعبيين لم يعترض على الباشا في شيء من تصرفاته هذه، بل إن المتصدرين منهم كانوا يقبلون على تأييد الباشا ومعاضدته، واكتفى الشيخ الجبرتي ومن نحا نحوه بالنذير الصامت، ووجد الشيخ متنفسا لكربه وألمه، في تسطير آرائه في الطيارات أو قصاصات المذكرات التي استعان بها في تدوين تاريخه، فلم يحرك المشايخ ساكنا حتى شرع الباشا في حاجته المستمرة إلى المال، يعمل على مقاسمتهم إيراداتهم الخاصة من فائض الالتزام ومن ريع الأوقاف التي تنظروا عليها، فهب المتصدرون لمعارضته، وكان اصطدامهم معه منشأ الكارثة التي حاقت بهم، وبالسيد عمر مكرم خصوصا، والذريعة التي اتخذها الباشا لإقصائهم عن شئون الحكم عموما، وتجريدها من تلك الزعامة الموهومة التي خيل إليهم أنها من حقهم، وأنهم جديرون بها.
الفصل الثالث
Неизвестная страница