Египет на рубеже XIX века (1801–1811) (часть первая)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Жанры
وقد تمهلت في إبلاغكم عنها؛ حتى يتسنى لي أن أنقل إليكم في الوقت نفسه، أن «كادر» قد وصل سالما إلى السويس، وأنه قد غادرها إلى جدة، ويحمل معه خطابات توصية إلى المسئولين في جدة، وكذلك في مخا.»
وذكر «دروفتي» دليلا على أن الباشا يعني فعلا ما أبلغه إياه في هذه المقابلة من حيث علاقاته مع الإنجليز: «أن محمد علي قد أنفذ أحد ضباطه إلى إسكندرية لإجراء الترميمات التي تتطلبها التحصينات في هذه المدينة، وأنه بعد أن فرض ضريبة صادر على الحبوب معادلة لثلثي قيمتها، بدعوى حاجته إلى بعض الغلال لإرسالها إلى القسطنطينية، لم يلبث أن وضع بعض القيود على شحنات القنصل الإنجليزي إلى مالطة، وأخيرا فقد رفض الموافقة على التعريفة الجديدة التي حصل السفير الإنجليزي عليها من الباب العالي لتعيين قيمة الرسوم الجمركية على البضائع التي يصدرها التجار البريطانيون من مصر أو يستوردونها إليها.
ومبعث هذا الرفض، هو روح الباشا الاستقلالية التي تزداد قوة دائما، وطالما بقيت القسطنطينية وأزمير وحلب وجزر بحر الأرخبيل تعاني القحط والمجاعة، وتزخر مصر بالغلال الوفيرة، ولقد فرضت على الصادرات إلى تركيا ضرائب كبيرة لم يسبق لها وجود بتاتا.»
ولا جدال في أن تصريحات الباشا «لدروفتي» في اجتماع 19 أبريل هذا، كانت تصريحات هامة، قد تنبئ - على نحو ما أراد «دروفتي» أن يقنع نفسه به - بأن تغييرا قد طرأ على سياسة محمد علي، من شأنه أن يقربه من الوكلاء الفرنسيين، ويباعد بينه وبين خصومهم الإنجليز، لا سيما وأن الباشا، بفضل الإجراءات الأخيرة التي اتخذها قد أقام الدليل في نظر «دروفتي» على أنه يريد تعطيل تجارتهم، والحد - على الأقل - من تصدير غلاله إلى مالطة وغيرها من الأماكن التي كانت مسرحا لنضالهم مع الفرنسيين في أوروبا، ولكن الحقيقة كانت على النقيض من ذلك، ولم يفطن «دروفتي» إلى غرض الباشا من إظهار شكوكه له نحو الإنجليز، أو مبعث زيادة الرسوم الجمركية على الصادر، وقد كان هذا إجراء ماليا، اتخذه الباشا مع الإنجليز، كما اتخذه مع الباب العالي، ولم يبغ منه سوى غرض واحد فحسب، هو ملء خزائنه بالمال الذي استمر في حاجة شديدة إليه دائما لدفع مرتبات الجند وسد نفقات الحكومة. ثم كان مما أحيا الأمل لدى «دروفتي» في إمكان حدوث هذا التغيير في سياسة محمد علي، أن الباشا على الرغم من مكائد الوكلاء الإنجليز، وسورة الغضب التي استبدت به، قد مكن «كادر» من المضي في رحلته بسلام، بل وزوده بخطابات توصية إلى عماله في مختلف الأساكل.
ومع ذلك، فإن شيئا مما يكون «دروفتي» قد منى نفسه به لم يحدث، ذلك أن تصدير الحبوب والكتان وغيرهما إلى مالطة لم يتوقف إطلاقا، بل تزايد نشاطه في الشهور التالية، واستمرت السفن تأتي بالبضائع الإنجليزية إلى الإسكندرية، سواء كانت هذه السفن بريطانية أم نمساوية أم غيرها، وترفع أعلاما إنجليزية أو غير إنجليزية. ثم استمر دخول السفن الحربية الإنجليزية إلى الميناء من وقت لآخر، فحضر إبريق من مالطة في شهر مايو، قال عنه «دروفتي»: إنه «الثاني الذي ظهر في هذه المياه منذ ثلاثة شهور»، واحتفل الإنجليز في الإسكندرية بعيد ميلاد ملكهم جورج الثالث احتفالا ضخما رائعا، ونثروا النقود بسخاء، ليلتقطها فقراء الأهلين، وذلك - كما قال «دروفتي» أيضا في 13 يونيو - حتى يكسبوا صداقة الجماهير، على غرار ما فعلوا في الأيام التي سبقت غزوهم في عام 1807، وعندما انتصر الباشا على بكوات المماليك في قنطرة أو جسر اللاهون والبهنسا في يوليو وأغسطس من العام نفسه، واستولى على غلال وحاصلات الصعيد خصوصا، صدرت أكثر الغلال إلى مالطة، وفي أكتوبر دخل الإسكندرية إبريق إنجليزي آخر يحمي أربع سفن آتية من مالطة كي تستبدل غلالا بحمولتها. وفضلا عن ذلك كله، فإنه لم تمض أسابيع معدودات على هذه التصريحات التي أدلى بها الباشا «لدروفتي»، حتى كان قد عقد مع «بلزوني» في 28 مايو 1810، تلك المعاهدة التي رفضت الحكومة الإنجليزية التصديق عليها.
وواقع الأمر، لم يكن السبب الذي حدا محمد علي إلى التبسط في هذه التصريحات التي فتحت أمام «دروفتي» آفاقا واسعة، أسف الباشا على مصادقته للإنجليز، أو ندمه على إرسال فرقاطته أفريقية إلى مالطة في طريقها إلى إنجلترة كي يتم تسليحها هناك استعدادا للقيام برحلتها إلى البحر الأحمر حول رأس الرجاء الصالح، أو تسلط الخوف عليه من ناحية الإنجليز، أو حرصه على تنمية العلاقات التجارية بينه وبين فرنسا، في وقت كان يعلم فيه أن الفرنسيين عاجزون عن الإفادة من أية تسهيلات قد يعطيها لهم - وقد عرض عليهم فعلا كما ذكرنا أن يبيعهم الغلال بأثمان مخفضة - وذلك بفضل ما للإنجليز من سيطرة مكينة في البحر الأبيض، بل إن الذي حفز محمد علي على الإدلاء بهذه التصريحات كان تقريره الاستعانة بالفرنسيين على تحقيق مشروع استقلاله، ذلك المشروع الذي عرف عنه «دروفتي» نفسه الشيء الكثير، أثناء مفاوضات عام 1807، التي انتهت بجلاء الإنجليز عن الإسكندرية.
فقد اعترضت مفاوضات الباشا منذ استئنافها مع الوكلاء الإنجليز بعد جلاء حملة «فريزر» صعوبات جمة، فلم تعر الحكومة الإنجليزية - كما عرفنا - آذانا مصغية لمقترحاته السياسية، ثم لم تلبث أن ظهرت بعض العراقيل أثناء مفاوضته الأخيرة مع «بلزوني»، وكان مبعثها محاولة «بلزوني» و«بريجز» اشتراط شروط رأى فيها الباشا مساسا بكرامته ورغبة في وضعه تحت الحماية الإنجليزية، الأمر الذي جعله يقسم أمام «دروفتي» أنه لن يتخلى عن واجبه نحو نفسه ونحو نظام حكومته. وعلى ذلك، فإنه ما إن انتهت مفاوضاته مع «بلزوني» و«بريجز» بعقد المعاهدة، التي وإن كان مجرد إبرامها - إذا جاء تصديق الحكومة الإنجليزية عليها - اعترافا عمليا بالوضع الذي يصبو إليه في علاقاته مع الدول الأجنبية، وخطوة ممهدة لاستكمال الوضع المشابه لما كانت تتمتع به وجاقات الغرب آنئذ؛ فقد جاءت خلوا من كل ارتباط سياسي يتصل بالمحالفة التي أرادها مع الإنجليز؛ لم يجد الباشا مناصا من محاولة الاستعانة بالفرنسيين، منافسي الإنجليز وخصومهم، على الظفر ببغيته.
وكان الباشا قد حرص على استبقاء حبل المودة موصولا بينه وبين الوكلاء الفرنسيين، بالرغم من رواج الشائعات الكثيرة عن عزم الفرنسيين على إرسال جيش كبير لغزو مصر، فلزم الحيطة والحذر في استعداداته العسكرية، حتى «سانت مارسيل» وغيره من مواطنيه، لم يخامرهم شك في أن الغرض من هذه الاستعدادات إنما هو الاحتراس من ناحية الإنجليز وغزوهم لهذه البلاد مرة ثانية، أكثر من الحيطة ضد فرنسا. ثم إنه كان قد حرص كذلك على استرضاء الوكلاء الفرنسيين في شئون التجارة، وأظهر استعداده دائما لتفسير الأسباب التي ألزمته بتصدير الغلال إلى مالطة، وهي الأسباب التي بادر هؤلاء بذكرها في تقاريرهم إلى حكومتهم يعللون بها هذا النشاط المنافي لصالح دولتهم، والتي كان منها على نحو ما عنى محمد علي بإبرازه خوفه من الغزو الإنجليزي، وحاجته إلى المال لإنجاز استعداداته العسكرية تهيؤا لدفع هذا الغزو إذا وقع، وزيادة على ذلك، فقد تظاهر بالرغبة في معاونتهم على اجتياز الأزمة التي أحدثتها مصادرة السفينة «لاروز» بسلام، أو تلك التي أثارها مسلك «الأب أرمننجيلد» المشين، ثم ها هو ذا يطلع «دروفتي» على ما يجول في ذهنه، ويبسط له مخاوفه من الإنجليز، ويظهر ندمه على إرسال أفريقية إلى مالطة، وتهدأ سورة غضبه فيبيح «لكادر» المضي في مهمته، ويزوده بالتوصيات لضباطه.
وقد خيل إلى الباشا، الذي وإن كان لم يركن إلى نوايا فرنسا نحوه، كما لم يركن إلى نوايا إنجلترة؛ فقد ظل يجهل سر نابليون، ولا يعرف شيئا عن استعداداته ومشاريعه، اللهم إلا ما نقله إليه الإنجليز عنها، وكان مفهوما عن هؤلاء أنهم خصوم الإمبراطور وأعداؤه الألداء، نقول إنه قد خيل إلى محمد علي أن بوسعه أن يجذب الفرنسيين إلى مؤازرته على بلوغ استقلاله، إذا هو - إلى جانب كل ما تقدم - لوح أمام أنظارهم بالمزايا التي يمكن أن تنتفع بها مصالحهم التجارية في مصر، وفاته أن الوكلاء الفرنسيين، علاوة على ما كانت تنتويه حكومتهم نحو مصر، كان لا مناص من أن ينظروا بعين الشك إلى طبيعة ما يجري من اتصالات بينه وبين الوكلاء الإنجليز خصومهم، وأن يعزوا إلى تحريض هؤلاء ومكائدهم كل مشروع يصدر من الباشا، ولا يتفق في أغراضه مع أهداف إمبراطورهم السياسية.
وعلى ذلك، فقد طلب محمد علي الاجتماع «بدروفتي »، وتحدث إليه في مشروع استقلاله، طالبا معاونة فرنسا في تحقيقه، فأبلغ «دروفتي» حكومته ما دار في هذا الاجتماع، في تقرير بعث به إليها من القاهرة في 28 نوفمبر 1810، جاء فيه:
Неизвестная страница