Египет на рубеже XIX века (1801–1811) (часть первая)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Жанры
واهتم اللورد إلجين السفير البريطاني بالقسطنطينية بهذه الأخبار، فأبلغها إلى الريس أفندي الذي أظهر دهشته من زيارة سباستياني للقاهرة؛ لأن الريس أفندي كان يعتقد أن سباستياني سوف يذهب إلى الجزائر وتونس وربما زار المورة وكورفو، ولكنه يجهل أنه كان مكلفا بزيارة مصر والشام، ويجهل أكثر من ذلك «مهمته الدبلوماسية» التي لم يبلغ شيء عنها لحكومته.
وكان من أثر ذلك أن زاد نشاط مساعي الإنجليز في مصر وفي القسطنطينية معا، من أجل توثيق علاقاتهم بالبكوات من ناحية، والوصول إلى اتفاق يحسم خلافاتهم مع الباب العالي من ناحية أخرى، وقد خطت الدبلوماسية الإنجليزية خطوات واسعة في هذا السبيل عندما أمر القنصل الأول بنشر تقرير سباستياني عن مهمته، فنشرته الجريدة الرسمية
Moniteur ، بعد حذف فقرات منه اقتضت «الحكمة السياسية» حذفها، في 30 يناير 1803.
وذكر التقرير المنشور نشاط سباستياني ومقابلاته التي سبق الحديث عنها، وكان مما جاء فيه أن هناك سوء تفاهم كبيرا بين خسرو باشا والجنرال ستيوارت. وتضمن - علاوة على ذلك - تفصيلات هامة عن حالة الأبراج والقلاع في المراكز المختلفة، وأكثرها مهدم ولا توجد به سوى حاميات ضعيفة وضئيلة، كما هو الحال في حصون وقلاع «أبي قير»، و«جوليان»، والبرلس، والرحمانية، ومنوف، وبولاق، والجيزة، وبركة الحاج، وبلبيس، والصالحية، والمنصورة، وبرجي البوغاز، و«دمياط»، والديبة، والقطية، والعريش، والسويس. بينما لا يوجد في الإسكندرية من القوات العثمانية سوى ستمائة رجل، وفي أبي قير مائة، وفي قلعة جوليان خمسة عشر، وفي رشيد مائتان، وفي الرحمانية خمسة وعشرون، وفي إقليم منوف خمسمائة، وفي القاهرة وبولاق والجيزة خمسمائة، وفي السويس مائة، وفي إقليم المنصورة خمسمائة، وفي إقليمي دمياط والغربية ستمائة، وعددهم جميعا في كل المراكز 7640 فحسب، كما تبلغ قوات العثمانيين العاملة 600 من المشاة، و2000 من الفرسان، و500 من المدفعية، والمجموع 3100.
وأما القوات العثمانية فتبلغ كلها حوالي الستة عشر ألفا، ويؤلف الألبانيون أو الأرنئود القسم الأكبر منها تحت قيادة طاهر باشا، وأضاف التقرير: «أنه من العبث وصف هذه القوات بأنها جيش؛ لأنهم رجال ينقصهم السلاح، ولا نظام لهم ولا يثقون في رؤسائهم وضباطهم، وقد أنهكت قواهم بسبب انغماسهم في الملذات والموبقات، ويتساوى الرؤساء مع جنودهم في جهلهم التام بفنون الحرب والقتال الأولية، ولا يستأثر باهتمامهم سوى الرغبة الملحة في جمع المال والإثراء سريعا، حتى يتسنى لهم عند التقاعد العيش في يسر وطمأنينة.»
وفي هذه المناسبة جاء في التقرير: «أنه يكفي اليوم لفتح مصر ستة آلاف فرنسي فحسب.»
وأما القوات الإنجليزية فقد ذكر التقرير أنها تبلغ 4430 تحتل الإسكندرية والحصون المجاورة لها التي أهمل الإنجليز العناية بها.
وأما المماليك، فكان جيشهم يتألف من 300 من المماليك، و3500 من الأعراب من قبيلة العبايدة في الشرق، و3500 من قبيلة بني علي، وقد تزوج محمد بك الألفي من ابنة شيخ القبيلة الأولى، بينما تزوج مرزوق بك ابن إبراهيم بك من ابنة شيخ القبيلة الثانية، ويقتسم الألفي وإبراهيم والبرديسي السلطة في هذا الجيش، ويتخذون جميعهم مقرهم العام في جرجا، ولديهم أربع وعشرون فرنسيا من الذين تخلفوا في البلاد وقت خروج جيش الشرق منها، ويؤلف هؤلاء «مدفعية» صغيرة، وقد انتصر المماليك - حتى كتابة هذا التقرير - في جميع المعارك التي اشتركوا فيها على الأتراك، ويفضلهم المصريون على العثمانيين، بينما يخضع الوجه القبلي بأسره لهم، ويعتبر عثمان بك البرديسي صاحب أعظم ميول ودية نحو فرنسا؛ الأمر الذي أكسبه - على حد قول سباستياني - نفوذا كبيرا.
وقد أظهر تقرير سباستياني عند نشره أن الباشا العثماني بالقاهرة «خسرو محمد» كان مصرا على متابعة «حرب الفناء» ضد المماليك، وأن البكوات من ناحيتهم كانوا مصرين أيضا على استعادة نفوذهم وسلطانهم السابق، وأنهم يطلبون وساطة فرنسا لبلوغهم مقصدهم. أضف إلى هذا أن نشر التقرير دل على أن فرنسا لا تزال مهتمة بأمر مصر، بل وساد الاعتقاد بأنها لا تزال ذات أطماع صريحة في امتلاك هذه البلاد مرة أخرى؛ بدليل كل تلك البيانات المفصلة عن حالة الحصون والقلاع وعن عدد قوات الجيوش، سواء البريطانية منها أو العثمانية أو المملوكية، التي لم يكن من المنتظر - حسب ما يستدل مما جاء بالتقرير - أنها سوف تستطيع مقاومة أي غزو فرنسي؛ لضعفها من ناحية، ولما كان متوقعا من انضمام البكوات للجيش الفرنسي عند غزوه لهذه البلاد، إلى جانب ترحيب أهل البلاد ومشايخهم بعودة الحكم الفرنسي من ناحية أخرى، وكان مما قوى الاعتقاد بأن فرنسا تنوي غزو مصر ما ذكره التقرير من «أنه يكفي اليوم لفتح هذه البلاد ستة آلاف فرنسي فحسب.»
وعلى ذلك فقد أحدث نشر تقرير سباستياني ضجة كبيرة في جميع الدوائر السياسية، وخصوصا في لندن والقسطنطينية، فنشرته الجريدة الرسمية في لندن، وكان موضع تعليقات جميع سفراء الدول وممثليها في القسطنطينية، وكتب الجنرال برون في 10 مارس 1803 أن هؤلاء جميعا اتخذوا منه دليلا لإقناع الباب العالي ب «نوايا فرنسا» التي كشفت في هذا التقرير عن خططها المرسومة نحو مصر، واضطر برون للدخول في تفسيرات يبغي منها إزالة الآثار السيئة «التي ترتبت على هذه الأقوال»، والتي من شأنها إلحاق الأذى من طرق خفية بذلك المركز الممتاز الذي بدأ يناله في القسطنطينية، ولكن جهود «برون» لم تنجح؛ لأن رسوخ الاعتقاد - نتيجة لنشر تقرير سباستياني - بأن فرنسا تريد غزو مصر، لم يلبث أن أثر تأثيرا مباشرا على سياسة كل من تركيا وإنجلترا نحوها.
Неизвестная страница