205

Египет на рубеже XIX века (1801–1811) (часть первая)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Жанры

وعالج الباشا أزمته المالية - ولقد كانت هذه على نحو ما عرفنا أزمة مزمنة - بنفس الطرق التي درج على اتباعها منذ ولي الحكم في عام 1805، يحصل الغرامات من الذين اضطروا إلى المصالحة على أنفسهم، ويطلب القروض والسلف الإجبارية، ويقاسم الملتزمين إيراداتهم إلى غير ذلك من الوسائل التي مكنته وقتيا من سد حاجته إلى المال، من أمثلة ذلك أنه ألزم أيوب فودة أحد كبار القليوبية دفع غرامة ثلاثمائة كيس، بعد أن قوي الاتهام ضده بأنه كان يحمي أحد قطاع الطرق ويدعى زغلول، وقد كان هذا الأخير ينهب المسافرين في النيل، وعظمت شكوى الأهلين منه، ولم تفلح محاولتهم في توسيط أيوب فودة كبير الناحية لوقف اعتداءاته، واضطر الباشا في أوائل مايو إلى إنفاذ قوة للقبض عليه وقتله، ولكنه هرب، فصادر جند الباشا موجودات أيوب فودة وبهائمه وماله من المواشي والودائع بالبلاد، وحضر الأخير إلى القاهرة يوسط السيد عمر مكرم لدى الباشا حتى يصفح عنه، وصالح على نفسه بالمبلغ الذي سلف ذكره.

على أن أكبر الموارد التي استعان بها الباشا على التخفيف من حدة أزمته المالية كانت تلك التي جاءته عن طريق الفرض التي فرضت على البلاد والقرى في العام السابق، فقد كملت الآن في منتصف يونيو 1807 دفاتر الفرضة والمظالم التي ابتدعت في العام الماضي على القراريط وإقطاعات الأراضي، وكذلك أخذ نصف فائظ الملتزمين، وذلك خلاف ما فرض على البنادر من الأكياس الكثيرة المقادير، ثم حدث في أواخر يوليو ما وصفه الشيخ الجبرتي بأنه حادثة لم يسبق مثلها، وهي المطالبة بمال الأطيان المسموح الذي لمشايخ البلاد، وكان هؤلاء معفين من دفع الضريبة عن جزء من الأرض الداخلة في حصة التزامهم؛ أي التي اعتبروا مسئولين عن تأدية المال عنها إلى الحكومة نظير هذا الالتزام، وضيافة عمال الحكومة ومن إليهم، وقد عرف ذلك باسم مسموح المشايخ، وكان المفروض أن يعفى الفلاحون في هذا الجزء المعفى من الضريبة من دفع الضرائب كذلك، ولكن المشايخ الملتزمين درجوا بالرغم من هذا على جمع الضرائب وسائر الفرض والإتاوات الحكومية من الفلاحين في الأرض المعفاة منها حسب هذا النظام، فطلب الباشا الآن هذا المال المسموح، وحرروا به دفترا وشرعوا في تحصيله.

وفي يوليو طلب الباشا من التجار نحو الألفي كيس على سبيل السلفة، فوزعت على الأعيان وتجار البن وأهل وكالة الصابون ووكالة التفاح ووكالة القرب وخلافها، ووصف الشيخ الجبرتي هذه الطريقة التي حصلت بها هذه السلفة فقال: «وأجلسوا العساكر على الحواصل والوكائل يمنعون من يخرج من حاصله أو مخزنه شيئا إلا بقصد الدفع من أصل المطلوب منهم، ثم أردفوا ذلك بمطلوبات من أفراد الناس المساتير، فيكون الإنسان جالسا في بيته، فما يشعر إلا والمعينون واصلون إليه، وبيدهم بصلة الطلب إما خمسة أكياس أو عشرة أو أقل أو أكثر، فإما أن يدفعها وإلا قبضوا عليه وسحبوه إلى السجن، فيحبس ويعاقب حتى يتمم المطلوب منه»، واستطرد الشيخ يقول: «وهذا الشيء خلاف الفرض المتوالية على البلاد والقرى في خصوص هذه الحادثة، وكذلك على البنادر، مقادير لها صورة وما يتبعها من حق طرف المعينين المباشرين، وتوالى مرور العساكر آناء الليل وأطراف النهار بطلب الكلف واللوازم، وقد طلب مثل ذلك من غالب بلاد السواحل .»

وثقلت وطأة هذه الفرض والمغارم على الأهلين، فقال الشيخ الجبرتي: «إن قرى قد خربت، وافتقر أهلها وجلوا عنها، فكان يجتمع أهل عدة من القرى في قرية واحدة بعيدة عنهم ثم يلحقها وبال المعينين والمباشرين والعساكر فتخرب كذلك ، وأما غالب بلاد السواحل، فإنها خربت وهرب أهلها»، وكان من بين فرض المغارم التي قررت وقتئذ على البلاد ما عرف باسم بشارة الفرضة، كتبوا بها أوراقا يتولاها بعض من يكون متطلعا لمنصب أو منفعة، ثم يرتب له خدما وأعوانا ثم يسافر إلى الإقليم المعين له، وذلك قبل منصب الأصل وفي مقدمته يبعث أعوانه إلى البلاد يبشرونهم بذلك، ثم يقبضون ما رسم لهم في الورقة من حق الطريق بحسب ما أدى إليه اجتهاده قليلا أو كثيرا، وقد قدر الشيخ حسب ما سمع من بعض من له خبرة بذلك قيمة المغارم التي قررت على القرى بسبعين ألف كيس وذلك خلاف المصادرات الخارجية.

وسواء أكان هذا التقدير مبالغا فيه أم لم يكن، وسواء بالغ الشيخ في وصف ما حل بالقرى وغالب بلاد السواحل من تخريب أم اقتصد في وصفه - ومن المعروف أن الشيخ لم يكن راضيا عن حكومة محمد علي - فالثابت أنه لم يكن هناك معدى عن اللجوء إلى هذه الطرق غير العادية لجلب المال الذي أقفرت منه خزانة الباشا لكل تلك الأسباب التي سبق بسطها عند ذكر الصعوبات التي صادفتها حكومته من بدء تأسيسها في عام 1805، ثم أوجدت الأزمة المالية التي تزايد استحكامها على مرور الأيام بدلا من انفراجها؛ وذلك بسبب ما جد من حوادث وأزمات سياسية كثيرة وعصيبة، كان آخرها مبعثه مجيء حملة «فريزر»، فكان حرمان الباشا من مال الصعيد وغلاله لخضوع هذا الإقليم لسيطرة البكوات المماليك، وكساد التجارة بسبب استيلاء الإنجليز على الإسكندرية أهم موانئ القطر، وعدم تأمين السبل في الوجه البحري عموما بسبب الفوضى الناجمة عن وجود حالة الحرب، وهي حرب لم يكن أحد يعرف ما سوف تنتهي إليه، ثم تعطل الزراعة نتيجة لما لحق بالفلاحين وأهل القرى من إيذاء على أيدي الجنود الذين كثر مرورهم ببلادهم أثناء العمليات الحربية الأخيرة خصوصا، ومطلوبات هؤلاء منهم - نقول كان ذلك كله إلى جانب حاجة محمد علي الملحة إلى المال لدفع مرتبات الجند وإنجاز تحصينات القاهرة وتجهيز جيشه للزحف على الإسكندرية مبعث هذه الأساليب الشديدة التي اتخذت لجمع المال.

وقد ذكر «دروفتي» شيئا من هذه الصعوبات التي صادفت الباشا وقتئذ والأسباب التي جعلته يعمد إلى فرض الفرض والمغارم، فقال في رسالة له إلى «سباستياني» من القاهرة في 29 يوليو: إن الجند يطالبون بمرتباتهم التي صارت مستحقة لهم عن تسعة شهور، وغدت رشيد مسرحا لبعض حركات التمرد والعصيان، وموارد محمد علي مثقلة ولا تكفي لسداد نفقاته؛ لأنه ترك مديريات الصعيد للماليك وذلك منذ انسحابه من أسيوط وإخلاء جنده للمراكز التي كانت لهم بالصعيد في الظروف التي عرفناها أثناء شهر أبريل 1807، ولأنه لا إيراد أو دخل للحكومة من التجارة حتى اضطره ذلك كله إلى فرض إتاوات غير عادية، منها طلب سلفة من الأوروبيين، ولم يحتج القنصل الفرنسي على هذه السلفة التي كانت إجبارية في واقع الأمر ومن طراز السلفة التي طلبها الباشا من التجار القاهريين وغيرهم، بل على العكس من ذلك صار يبذل قصارى جهده لإقناع مواطنيه والمحميين الفرنسيين بتقديم كل ما يمكن تقديمه من مال لمحمد علي، فبلغ ما أقرضه هؤلاء له عشرة آلاف قرش تركي عدا أربعين قنطارا من الحديد ومثلها من الرصاص بضمان الميري.

وأتيحت الفرصة لحصول الباشا على قدر كبير من المال عندما أقرضه نائب القنصل البريطاني في رشيد «بتروتشي» - وهو قنصل السويد العام في الوقت نفسه - أربعين ألف قرش، وتفصيل ذلك، أن الباشا بعد إخفاق عمليات الإنجليز ضد رشيد، لم يلبث أن بعث في طلب كل من «روشتي» قنصل روسيا العام والنمسا، و«بطروشي» أو «بتروتشي» من رشيد إلى القاهرة حتى يتمكن من مراقبة نشاطهما بنفسه، وكان هذان قد بقيا برشيد وخشي من دسائسهما وتحريض الجند والأهلين على الفتنة، لا سيما وقد كان لروشتي علاقات لم تغب معرفتها على محمد علي كما بلغه الشيء الكثير عن نشاط «بتروتشي»، قال «مسيت» إن القنصل الفرنسي هو المسئول عن هذه المعلومات التي بلغت محمد علي عنه، كما عزا إليه التحريض على إساءة معاملته حتى إن الأتراك في رشيد صاروا يعاملونه أخيرا معاملة غير كريمة، وهو الذي قام منذ أربع سنوات بوظائف الوكيل البريطاني برشيد، فعرضوا عليه إتاوات كثيرة ووضعت الأختام على ممتلكاته، ثم قبض عليه وأرسل إلى القاهرة حيث سجن بها، على أنه مما يجدر ذكره أن مصادرة أملاك «بتروتشي» كانت بناء على ذلك الأمر الذي أصدره الباب العالي بضبط تعلقات الإنجليز، وقد قرئ مرسوم الباب العالي هذا ببيت القاضي يوم 23 أبريل على نحو ما تقدم ذكره، وأما الباشا فقد ألقى بالبطروشي في السجن فعلا بمجرد وصوله إلى القاهرة، والتمس هذا مرارا عديدة مقابلة محمد علي حتى يدفع عن نفسه التهم التي ألصقها به أعداؤه، فكان بعد لأي وعناء أن أذن له الباشا بمقابلته، وكتب «مسيت» إلى «كاسلريه» في 17 يونيو، يصف ما حدث فقال: إن «بتروتشي» نجح في إقناع الباشا بزيف الأنباء التي حملتها التقارير التي قدمت عنه إلى الباشا والأقوال التي أذيعت عنه زورا وبهتانا.

ولما كان «بتروتشي» قد اكتشف حاجة محمد علي الشديدة إلى المال، وأنها تسبب له القلق والانزعاج فقد عرض فورا أن يقرض الباشا أربعين ألف قرش نظير أن تعاد إليه أملاكه، وأن يطلق سراحه من الحبس، الأمر الذي من حقه أن يصر على تنفيذه حيث إنه القنصل العام لجلالة ملك السويد في مصر، فقبل الباشا عرضه وأطلق سراحه، ولم يرتح «دروفتي» لما حدث؛ لأنه اعتبر إخراج «بتروتشي» من الحبس من ناحية، ثم ترك «روشتي» يمرح في القاهرة من ناحية أخرى يهدد حكومة الباشا في ظروفها الحرجة وقتئذ؛ لأن «روشتي» بوصفه المزدوج: قنصلا للنمسا ولروسيا، و«بتروتشي» بوصفه المزدوج كذلك: قنصلا للسويد ونائب قنصل لإنجلترة، وروسيا وإنجلترة في حرب مع الباب العالي، وهما لذلك يعملان ضد صالح تركيا وحكومة محمد علي في مصر قد جعل الباشا بالرغم من ذلك يسلك كل طريق لمداراتهما وتدليلهما بالصورة المنتظرة في مثل هذا الوضع السياسي الذي لهما ولكنهما يستغلان كرم الباشا، ويستخدمان الموارد المالية التي لا يمكن أن يحرم منها قناصل إنجلترة وروسيا ودون أن يلحقا بتصرفهما أية إهانة بالنمسا والسويد، ويستعينان بعطف الرأي العام عليهما، ووده نحوهما لتأييد مشروعات أعداء الباب العالي، وذلك باستمرارها سرا في القيام بوظائفهما كولاء للإنجليز والروس، كتب ذلك «دروفتي» في 14 يونيو، ثم لم يلبث أن بعث إلى «سباستياني» في 29 يوليو بما يؤكد مخاوفه هذه فقال: «إن هناك مؤامرة تدبر ضد محمد علي يشرف على توجيهها ثلاثة من القناصل هم: «روشتي»، و«بتروتشي» وقنصل إسبانيا العام «كامبو آي سولر»

Campo-y-Soler ، والأولان أشد هؤلاء الثلاثة عداوة، و«بتروتشي» مالطي ووكيل بريطاني يستخدم كل ما لديه من موارد لتأييد مشروعات أعدائنا.»

ومع أن «بتروتشي» قد أقرض الباشا مبلغا آخر من المال (20000 قرش)، واستطاع أن يستفيد من إقراضه إياه هذه المبالغ لكسب نفوذ كبير في علاقاته مع محمد علي، حتى إنه انتحل ضرورة تنظيم شئونه التجارية عذرا لإرسال أحد رجاله إلى الإسكندرية وهو يوناني يدعى «قسطنطين كاريري»

Неизвестная страница