Египет на рубеже XIX века (1801–1811) (часть первая)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Жанры
واستهل محمد علي نضاله باللجوء إلى المطالبة بمرتبات جنده؛ أي بإثارة تلك المسألة الشائكة والتي كانت مبعث الصعوبات والمشاكل التي صادفها الولاة جميعهم وخورشيد باشا على وجه الخصوص منذ تسلمه مهام منصبه، فطالب بألفي كيس وأمهل خورشيد مهلة قصيرة جدا لدفعها، ولم ير خورشيد مناصا من القبول، «ولكن من أين يأتي بها؟» ذلك كان تساؤل «دروفتي» وغيره من الذين لمسوا مدى الصعوبات التي واجهت خورشيد وبخاصة وقد كان الدلاة - وهم جنده الذين عول عليهم لمناصرته - يطالبون هم كذلك بمرتباتهم، فانتهز خورشيد وصول ست سفن محملة بالبن من جدة إلى السويس، وفرض على كل فرد من التجار ستا وعشرين ريالا يدفع منها للأرنئود وللدلاتية، ولكن هذا المال الذي جمعه لم يكف لسداد مرتبات الأرنئود، فقال «دروفتي» - في رسالته إلى «تاليران» في 28 أبريل - إن هؤلاء غير راضين عن الجزء الذي دفع لهم أخيرا من مرتباتهم «ويطالبون بصوت عال بمبالغ طائلة لا يمكن أبدا دفعها؛ إذ يطلبون في الحقيقة اثني عشر ألف كيس، فلما قيل لهم إن الخزانة لا تستطيع إطلاقا دفع هذا المبلغ؛ طالبوا بإرغام رجال الإدارة المالية على تقديم حسابات دقيقة غاية الدقة؛ لتوضيح النواحي التي أنفقت فيها الإيرادات المتحصلة من الميري والتي ادعوا أنها أنفقت على وجه الخصوص في دفع مرتبات الجيش»، وزاد «دروفتي» على ذلك «أن الدلاة - على ما يبدو - لا يريدون الاشتراك في هذه المناقشات ومناصرة أحد الفريقين على الآخر، وأن ما يجري الآن يجعل من السهل التنبؤ بما سوف يحدث، على غرار ما وقع في أيام خسرو محمد باشا.»
وكان محمد علي نفسه هو الذي أثار مسألة الحسابات هذه، فكتب الوكلاء الفرنسيون إلى حكومتهم منذ 23 أبريل: «أن سوء التفاهم قائم بين خورشيد باشا ومحمد علي منذ دخول الأخير إلى القاهرة، فلم يتزاورا بعد، ويطلب محمد علي تقديم حساب عن كل ما دخل الخزانة من مال منذ أن تسلم خورشيد باشا الحكومة»، فبدأت من ثم مناقشات عنيفة بين خورشيد ومحمد علي، حرص الأخير في أثنائها على كسب القاهريين ورؤسائهم إلى جانبه، عندما أصر على عدم تكليفهم بأعباء مالية جديدة، ومحاولة منع خورشيد من فرض الإتاوات والغرامات عليهم لدفع مرتبات الجند وإنهاء هذه الأزمة بينه وبينهم، كما أنه استطاع بفضل ما قدمه من حجج وبسبب ما أدلى به خورشيد من ناحيته من دعاوى حاول بها دحضها؛ أن ينفر «الدلاتية» منه، وأن «يلعب بولائهم».
وقد أوضح «مسيت» ما حدث في رسالة بعث بها إلى حكومته في 28 أبريل جاء فيها: أن «محمد علي» عندما تقوى مركزه بعد عودته من المنيا ما لبث أن أوفد أحد ضباطه إلى خورشيد باشا يطالبه بأربعة ملايين قرش عثماني قيمة مرتبات ستة أشهر لجنده، وأعلن في الوقت نفسه أنه لا يريد أن تفرض إتاوات على الشعب لإجابة مطالب رجاله، حيث إن إيرادات مصر إذا حسن التصرف فيها وفق إدارة طيبة تكفي وحدها - كما قال - لسداد المطالب الشرعية التي للحكومة، وقد أجاب خورشيد على ذلك بقوله: إن لديه فرمانا يستطيع بمقتضاه أن يطلب من محمد علي تقديم بيان أو حساب عن كل المبالغ التي نهبها طوال مدة إقامته في مصر أو فرضها على الأهلين وحصلها منهم أو تسلمها كمرتبات له ولرجاله، وأن المتأخرات التي يطالب بها محمد علي إذا استنزلت من مجموع هذه المبالغ المختلفة لاتضح بدلا من أن تكون له مطالب قانونية على الحكومة المصرية أنه هو نفسه في الحقيقة مدين بمبلغ كبير من المال للباب العالي الذي أوامره القطعية هي أنه يجب على «محمد علي» إرجاعه ودفعه ثانية.
ولكن خورشيد باشا عندما أعلن نوايا الديوان «العثماني» الخفية، ووجه تهم النهب والسلب والخطف وغصب أموال الناس، وأثار بذلك غضب محمد علي؛ لم يكن يعرف أن هذا الزعيم الماكر قد استطاع أن يلعب بولاء الجند الذين يعهد إليهم خورشيد بكبح جماح الأرنئود العصاة. «وعلى ذلك، فإنه ما إن أدرك هذه الحقيقة حتى تنازل لاستخدام المشايخ والعلماء وغيرهم من ذوي المكانة كوسطاء بينه وبين محمد علي الذي رفض حتى الآن أن يستجيب لرجواتهم، ولو أن وعدا قد بذل له بتحقيق كل مطالبه المالية بعد أسابيع ثلاثة فحسب، وسمح له ولجنوده دون تبصر بالدخول إلى المدينة.» «ومع ذلك فإنه حتى ولو تم الصلح بين خورشيد ومحمد علي فلا يمكن أن يدوم؛ لما هنالك من تضارب بين العمل على الاحتفاظ بالبقاء من جهة، وبين تحقيق الأطماع والذود عن أمن الإنسان وحياته وسلامته الشخصية من جهة أخرى، وكثيرون هم الذين يعتقدون أن ثورة قريبة سوف تحدث في الحكومة.»
ولم ينفرد «مسيت» في القول بأن أي اتفاق أو صلح بين خورشيد ومحمد علي لا يمكن أن يدوم؛ لتضارب الأغراض التي يسعى كل منهما لتحقيقها، بل كان من هذا الرأي أيضا الوكيل الفرنسي دروفتي الذي علق على ذلك الاتفاق الذي تعهد بموجبه خورشيد بدفع ألفي كيس، مرتبات الجند المطلوبة، فقال منذ 23 أبريل في رسالته إلى «تاليران»: «إن الموقف في مصر لا يبعث على الاطمئنان بالرغم من حصول هذا الاتفاق بين خورشيد ومحمد علي؛ لأنه حتى يستطيع المرء أن يطمئن فعلا يجب عليه نسيان أن «محمد علي» إنما يستهدف باشوية مصر ذاتها، وأن جميع الأعمال التي بدا قيامه بها لصالح الباب العالي إنما تحمل طابع ما لديه من أطماع نحو السلطة العليا.»
والحقيقة أن «محمد علي» كان مصمما على البقاء في القاهرة ومواصلة النضال مع خورشيد، فكان من مطالبه منذ أن بدأ الاصطدام الجدي بينهما (23 أبريل) «أن يذهب الكخيا بك - وكيل خورشيد وكتخداه، والكخيا والكتخدا معناهما واحد - وقائد جند القلعة صالح أغا قوش على رأس الجيش الذاهب إلى الصعيد بينما يظل هو مقيما بالقاهرة»، وقد كان بالقاهرة وقتئذ، حوالي الثمانية آلاف أو العشرة آلاف جندي يطلبون مرتباتهم، وعبثا حاول خورشيد أن يمنع المشايخ والوجاقلية وأعيان القاهريين من زيارته فقد ظل هؤلاء يزورونه وكثر ترددهم عليه، واستمتع محمد علي وقتئذ بنفوذ كبير على الجند والأهالي معا.
وازداد تعلق القاهريين به عندما اشتد ضيق الناس بالدلاة الذين استمروا في إفسادهم ينهبون ويسلبون ويهتكون الأعراض و«يخطفون النساء والأولاد» بل ولا ينجو «الرجال الاختيارية» من فعالهم القبيحة، وعاثوا فسادا - على وجه الخصوص - في مصر القديمة والقصر العيني ودير الطين وهي الجهات التي خصصت عموما لإقامتهم بينما حرص محمد علي في أثناء ذلك كله على منع جنده الأرنئود من ارتكاب هذه الشرور والمعاصي واستعداء الأهلين عليهم.
واتخذ من جهة أخرى في علاقاته مع المشايخ والعلماء وسائر الرؤساء الوطنيين موقف من يريد التهدئة والتسكين والإصلاح وتخفيف آلام الشعب والحرص على المصلحة العامة، وأظهر غضبه وسخطه على هؤلاء الجند «الدلاتية المجانين» الذين أنزلوا النكبات والكوارث على الأهلين، وكتب «مسيت» وهو يستعرض حوادث هذه الأيام بعد ذلك وموقف محمد علي الذي مكنه من الوصول إلى الولاية
1 «أنه من اللحظة التي سمح له فيها وللأرنئود بالدخول إلى القاهرة عقب عودته من الصعيد، شرع يبذل قصارى جهده بكد واجتهاد حتى يظفر بعطف الشعب وحسن رأيه فيه ورضائه عنه، بينما صار يستثير الناس في الوقت نفسه ضد الجند «الدلاة» الذين وصلوا أخيرا من الشام، والذين ظل يرمقهم بعين الحسد والغيرة بالرغم من إقرار هؤلاء بولائهم له مرات كثيرة، وإظهار إخلاصهم لقضيته.»
على أنه لم يكن هناك ما يدعو في الحقيقة؛ لأن يكد محمد علي ويكدح لاستثارة الشعب ضد الدلاة أو ضد خورشيد نفسه؛ لأن الشرور والإيذاءات التي ألحقها الدلاة بالقاهريين كانت قمينة وحدها بإثارة السخط عليهم، كما زاد من غضب المشايخ والعلماء والرؤساء الشعبيين حتى إنهم عولوا على تزعم الجماهير والشعب الساخط الصاخب بصورة فعالة حاسمة في كفاحه ضد حكومة خورشيد باشا، أن هذا الأخير ما لبث أن أجاز للدلاة إلزام بعض القرى في القليوبية بدفع إتاوات لهم يحصلون منها مرتباتهم، فكان معنى هذا - على حد قول «مانجان» وغيره من المعاصرين - أن الحكومة قد أعطت موافقتها الرسمية على المساوئ والشرور التي قاسى الشعب من ويلاتها الشيء الكثير على أيدي هؤلاء الجند العتاة الباغين، وأنها تؤيد رسميا ذلك الفساد الذي استحكم في البلاد.
Неизвестная страница