203
158
95
179
00
فنرى في ذلك أن القرش نزل سعره إلى النصف. وباعتبار الجنيه الإفرنجي إلى الربع في 35 سنة. وكانت الحكومة المصرية قد أخذت في تنظيم شئونها التجارية على عهد «إسماعيل باشا» الخديوي غير أن اختلاف أسعار النقود على هذه الصورة لا يرجى منه نجاح، فأصدرت سنة 1286ه تعريفة للنقود جعلت المعاملة فيها على المناصفة فالجنيه الإفرنجي كانت قيمته 199 قرشا فجعلتها 99,5 والمصري 202 قرش جعلت قيمته 101,5 قرش، وقس على ذلك. ثم تنوعت الأسعار قليلا حتى وقفت على قيمتها المشهورة الآن. وهذا هو أصل المعاملة التعريفة والصاغ في مصر. (4-4) التعليم بمصر في ذلك العصر
ونختم الكلام بفذلكة في حال التعليم في ذلك العصر، فإنه كان يختلف عن تعليم هذه الأيام، ومعلوم أن التعليم في إبان التمدن الإسلامي كان محصورا بالمساجد كما كانت مدارس النصارى محصورة في الأديرة والكنائس، وكان المسلمون يسمون التلامذة المجتمعين حول أستاذ يتلقون منه العلم «حلقة» وتفرعت العلوم بتوالي العلوم، واتسعت دوائرها حتى أصبح العلم الواحد عدة حلقات والغالب أن تنسب الحلقة إلى أستاذها، فيقولون مثلا حلقة «أبي إسحاق الشيرازي» في جامع «المنصور» أو نحو ذلك. وكانوا يجعلون في كل جامع خزانة كتب للمطالعة والاستنساخ .
على أن التعليم لم يكن خاصا بالمساجد، فكثيرا ما كانوا ينشئون حلقات التدريس في المارستانات أو الربط أو المنازل أو غيرها، وكان الأغنياء إذا أرادوا تعليم أولادهم أحضروا المعلمين إلى منازلهم.
وكانت مصر في القرن الأول للهجرة ولاية من ولايات المملكة الإسلامية تابعة للمدينة أو دمشق أو بغداد، فكان التعليم فيها ثانويا، ودخل القرن الرابع للهجرة وليس في عاصمتها إلا جامعان، جامع «عمرو» وجامع «ابن طولون» تلقى فيها العلوم الإسلامية على مذهب أهل السنة لأنها كانت تابعة للدولة العباسية. فلما تغلب الفاطميون على مصر في أواسط القرن الرابع، وانتقلوا إليها وبنوا مدينة القاهرة، وأنشئوا فيها مسجدا يعلمون فيه مذهبهم «الشيعة» وظل الأزهر مدرسة شيعية طوال خلافة الفاطميين نحو 200 سنة حتى غلبهم «صلاح الدين الأيوبي» سنة 567ه، وكان سني المذهب، وليس له بد من متابعة خليفة يثبته في منصبه فبايع الخليفة العباسي في بغداد، وخطب له في الأزهر. وكان «صلاح الدين» على مذهب الإمام الشافعي فلم يضطر لتبديل كثير في طرق التعليم، وقبل الناس سلطته على أهون سبيل ولكنه لم ير مندوحة عن مراعاة مذهب الخلفاء العباسيين وهو مذهب «أبي حنيفة»، ورأى بحكمته وسداد رأيه أن يكتسب ولاء سائر المسلمين، فأجاز التعليم فيه على المذاهب الأربعة، وكل مذهب يحضره أهله فآل ذلك إلى اتساع شهرة هذه المدرسة، وتقاطر إليها الطلاب من أربعة أقطار المسكونة، ولم يبق التعليم قاصرا فيها على الفقه وعلوم الدين واللغة، ولكنه تناول شيئا من الرياضيات والنجوم وبعض علوم الطبيعة.
وما زال ذلك شأنها في أيام الأيوبيين ومماليكهم حتى جاء السلطان «سليم العثماني»، وفتح مصر، ثم استبد الأمراء المماليك بالحكومة، فاشتغل الناس عن العلم، وكان العنصر العربي قد ضعف شأنه في سائر المملكة الإسلامية إلا في مصر، لأن مدرسة الأزهر فيها، وكانت أكبر وسيلة لاستبقاء اللغة العربية حية بتعليم العلوم الدينية واللسانية لكنها اقتصرت يومئذ على هذه العلوم، وأهملت سواها من الطبيعيات والرياضيات.
Неизвестная страница