يمتاز تاريخ الإسلام عن سائر تواريخ الأمم والدول، بما يدخل تحته من تواريخ العناصر المختلفة التي أنقها الإسلام في أواسط آسيا وغيرها، وكانت في حال البداوة أو الهمجية، فساقها إلى المدنية، أو العلم حتى نبغ منها العلماء والفلاسفة ورجال السياسة والإدارة. وأشهرهم الأتراك والمغول والبربر والزنوج.
وهنا نقطة يحسن بنا الوقوف عندها لحظة، لنذكر شيئا عن كل من تلك الأمم: (1) الأتراك
كان الأتراك قبل الإسلام، أهل بادية يقيمون في أواسط آسيا بين الهند والصين وسيبريا. ولم يعرفوا عن أهل الغرب من اليونان أو الرومان إلا قليلا. فكان الفرس يقتنونهم للرق والخدمة، ويتهادونهم كما يتهادون المتاع. فلما جاء العرب وفتحوا بلادهم وجندوهم، نهضوا في جملة الناهضين، وتولوا الإمارات. ثم أنشئوا الدول العظمى في فارس والعراق والشام ومصر وآسيا الصغرى والقسطنطينية وأفغانستان وتركستان. وأشهرها الدولة الطولونية والإيليكية والإخشيدية والغزنوية والسلجوقية بفروعها ودول الأتابكة التي تخلفت عنها. ويزيد عدد الدول الشرعية الإسلامية على ثلاثين دولة. واتسع سلطانهم حتى وطئت خيولهم أواسط أوربا، ونبغ منهم القواد والساسة والفقهاء والكتاب وشادوا القصور والمساجد والمعاهد. وأنشئوا المارستانات والمدارس والتكيات.
وأكثر ما بقي من آثار الإسلام في مصر والشام والعراق من بنائهم، فهؤلاء لا سبيل إلى معرفة أحوالهم إلا بتاريخ الإسلام. (2) المغول
والمغول طوائف رحل، كانوا يقيمون حوالي بحيرة «بيقال» في جنوبي سيبريا. ولم يظهروا للعالم إلا بعد الإسلام. وكانوا قبل ذلك قبائل يعيشون بالغزو والنهب والصيد والقنص.
فلما احتكوا بالمسلمين في تركستان ورأوا دولهم وجيوشهم، عملوا على الاقتداء بهم، حتى عمدوا إلى فتح مملكتهم ففتحوها ببداوتهم وخشونتهم، وأمعنوا فيها قتلا ونهبا وإحراقا على يد جنكيز خان. ولكنهم ما لبثوا أن تحضروا، لمعاشرتهم المسلمين في فارس والعراق. وأنشئوا دولا عظمى حكمت الشرق خمسة قرون ونصف قرن، أشهرها أربع دول كبرى هي دول أقطاي وطلوي وجوجي وجغطاي.
وتفرعت منها دول أخرى امتدت سطوتها وخفقت أعلامها على زنقاريا وبلاد المغول والقبجاق وتركستان. وفتحوا المملكة الإسلامية، وأمعنوا في بلاد فارس والعراق والشام.
ونبغ منهم الساسة والقواد، بعد أن كانوا أهل أوثان، أسلموا وشادوا المساجد والمدارس والمعاهد، وعمروا المدن في أقصى الشرق وأقاموا فيها الأبنية الباذخة، والقصور الشامخة، وغرسوا الحدائق والبساتين وهذه الدول لا سبيل إلى معرفة أخبارها إلا بتاريخ الإسلام. (3) البربر
ويراد بهم أفريقيا الشمالية، وهم قبائل رحل، كانوا قبل الإسلام من الهمجية والجهلة على جانب عظيم، وكانوا أصحاب أوثان، يعتصمون الجبال ويتقاضون إلى الكهان، يكرهون المدنية وأهلها، وقد قاسى اليونان واليونان والرومان من غزوهم ونهبهم عذابا شديدا، ولم يكن لهم شغل غير ذلك، ولاقى العرب أيام الفتح مشقة كبرى في إخضاعهم، فلما خضعوا وأسلموا تجندوا للخلفاء والأمراء، وافتتحوا البلاد، ولاسيما في الغرب فاكتسحوا الأندلس بقيادة طارق بن زياد، وكانوا عونا كبيرا في قيام دولة الأدارسة والدولة الفاطمية، وأنشئوا دولة الملثمين والمرابطين والموحدين والمصامدة وآل زبري وغيرهم مما لا يحصى، وقد جندوا الجنود وبنوا المعاقل وأخذوا بأسباب المدنية ولا وسيلة لمعرفة أخبارهم إلا بتاريخ الإسلام. (4) الزنوج
كان الزنوج، ولا يزال السواد الأعظم منهم، يحملون إلى الآفاق كما تحمل الأغنام - يباعون بيع السلع - فكانوا يرضخون تحت نير المتمدنين، وكانوا يعبدون الحجارة أو الشجر، وبعضهم لا يفهم معنى الدين أو العبادة. وكان المعروف في مواطنهم عند ظهور الإسلام شمالي أفريقيا وبعض غربيها وشرقيها.
Неизвестная страница