فلما عهدت إليه هذه الولاية تردد في قبولها لما رأى من الأخطار المحدقة بها، لكنه لم ير بدا من قبولها .
وكان رجلا حازما مستقيما، استعان برجاله على إدارة الأعمال، فلم تمض سنتان على حكمه حتى استتب النظام، وسادت الراحة. ثم استقال من ذلك المنصب بعد أن صار وزيرا. وعكف على العبادة واعتزل السياسة، وزهد الدراويش، فتنازل عن أملاكه في الآستانة للدائرة الخاصة الهمايونية وانفرد في أحد المعابد في الرومللي. تولى مكانه الوزير «محمد باشا حيدر» سنتين ونصف، ولم يكن يحسن الإدارة فارتبكت الأحوال.
وفي 10 رجب سنة 1057ه ثارت فرقة من الإنكشارية في مصر القديمة، فهددهم والي الشرطة فازدادوا تمردا، فساروا إلى الباشا، وطلبوا قتل ذلك الوالي (المحافظ) ولم يكن ذنبه إلا أنه قام بما عليه، فوافقهم الباشا على ما أرادوا.
أما الوالي فكان من وجاق الجاويشية، فلما علم هؤلاء بعزم الباشا، قاموا يشكون من سوء تصرفه بصوت واحد، فخاف أن تبلغ هذه التشكيات مسامع الباب العالي ، فتعود العاقبة وبالا عليه، فاجتمع «بقنسو بك» واستشاره بما يفعل. وكان هذا لا يشير إلا بما يعود عليه بالمنفعة الشخصية، فأشار على الباشا أن يرفع إلى الآستانة تقريرا سريا يشرح فيه ما حصل من القلاقل، وينسبها جميعها إلى الأميرين «رضوان بك» و«علي بك» وينسب إليهما أيضا اختلاس الخزينة المصرية، وأنهما سلباه منصب أمير الحج وحكومة «جرجا»؛ كل ذلك لكي يرجع «قنسو بك» و«ماماي بك» إلى منصبهما. (9-4) رضوان بك وعلي بك
فباشر الباشا كتابة ذلك التقرير، وطلب إلى بعض الأعيان أن يوقعوا عليه، فبلغ ذلك مسامع «رضوان بك»، فأسرع إلى كتابة تقرير مناقض لتقرير الباشا، وبعث به إلى الآستانة، فوصل قبل تقرير الباشا وفيه ما فيه من التشكيات ضد «قنسو بك» و«ماماي بك»، فورد الجواب من الآستانة مفوضا إلى «رضوان بك» و«علي بك» أمر النظر في تلك القضية.
وفي 21 جمادى الأولى سنة 1057ه، ورد الفرمان بذلك إلى الباشا. وفي 27 منه، استدعاهما الباشا إلى القلعة، فاستدعيا «قنسو بك» و«ماماي بك» وأمرا بقتلهما، وقتل أمراء آخرين كانوا على دعوتهما.
ولم تكد تتخلص «مصر» من دسائس هؤلاء حتى ظهرت دسائس «مصطفى كخيا» الملقب «بالششنير»، لأنه لم يسم سنجقا عوضا من «قنسو بك».
وفي 8 رمضان من تلك السنة، وردت الأوامر إلى «علي بك» أن يترك القاهرة ويتوجه حالا إلى حكومته في جرجا. وبعد ثلاثة أيام استدعى الباشا «رضوان بك» إلى وليمة في القلعة فخاف من دسيسته، فأبى الحضور، فغضب عليه الباشا وخلعه عن إمارة الحج، فخرج «رضوان بك» من القاهرة في 200 من رجاله، وفيهم عدة من الأمراء والكشاف، واتحد مع «علي بك». فبعث الباشا على أثرهما ألفين من جنوده، ونحو خمسمائة من الإنكشارية، فاجتمع الجند في «الرميلة» وأقروا على إغفال أوامر الباشا. ثم وردت الأوامر من الآستانة بتثبيت «رضوان بك» و«علي بك» في منصبيهما. فاضطر الباشا إلى استقدام الأميرين، فقدما إلى القاهرة في 19 رمضان بما لهما من الرواتب والحقوق، فسعى إلى مصلحتهما مع «مصطفى كخيا».
وفي 6 الحجة من تلك السنة، شاع في القاهرة أن الوزير «مصطفى باشا» سمي على «مصر» عوضا عن «محمد باشا حيدر». وفي 26 منه، وردت الأوامر قاضية بإعادة «محمد باشا» إلى منصبه. وفي تلك السنة، توفي السلطان إبراهيم. (10) سلطنة محمد بن إبراهيم
من سنة 1058-1099ه، ومن 1648-1687م
Неизвестная страница