وكان «عثمان الثاني» قبل وفاته، قد بعث إلى مصر «محمد باشا» بدلا من «حسين باشا»، لكنه لم يصل مصر إلا بعد أن أنبئ أهلها بما كان يأتيه في الروملي يوم كان واليا عليها، فنفروا منه وخافوا من تصرفه. ولحسن حظهم لم يبق بينهم إلا شهرين ونصف شهر.
فلما تولى «حسين باشا» الصدارة، عزله بأمر السلطان «مصطفى الأول» وولى «إبراهيم باشا» وبقي هذا على مصر سنة، وقد تمكن بحسن سياسته وتدبيره من اكتساب رضا الأهلين وثقتهم إلا أنه حصل في أيامه ضيق عيش، وغلت أسعار المأكولات جدا.
ولما عزل «إبراهيم باشا»، سار إلى الإسكندرية بحرا خلافا للعادة الجارية فيمن سبقوه على حكومة مصر، فإنهم كانوا إذا عزلوا من مناصبهم، سافروا برا.
وتولى مكانه «مصطفى باشا» واستلم زمام الأحكام من 22 رمضان سنة 1032ه، فأتاه كتبة الديوان يشتكون تصرف سلفه، وقالوا إنه مدين للخزينة بمبلغ وافر، فأرسل في أثره بعض الجاوشية. فالتقوا به، فهددهم بالقتل إذا لم يعودوا عنه، فخافوا وعادوا إلى القاهرة. فأرسل الأمير «صالح بك» فأدركه وقد نزل البحر في الإسكندرية، فأوعز إليه أن يقف، فأجاب أنه متوجه إلى الآستانة، فإذا كان عليه شيء يدفعه هناك إلى السلطان نفسه، قال ذلك ونشر الشراع، فمخرت السفينة به، فأطلقوا عليه من طابية منارة الإسكندرية بعض الطلقات المدفعية فلم يبال بها. (8) سلطنة «مراد بن أحمد»
من سنة 1032-1049ه أو من 1633-1640م
ولد هذا السلطان سنة 1018ه، فتولى الملك وعمره دون الحادية عشرة سنة، ولاه الإنكشارية ليكون طوع إرادتهم، فاستأثروا بالدولة وعاثوا فيها فسادا. فانتهز الشاه «عباس» ملك الفرس اختلال أحوالهم لتوسيع أملاكه، فتمكن من فتح بغداد، وازدادت الأحوال اضطرابا، وثار الإنكشارية حتى قتلوا الصدر الأعظم «حافظ باشا».
مضت عشر سنوات والدولة في تقهقر وضعف، حتى شب السلطان وقبض على مهام الحكومة، فحمل على بلاد فارس بنفسه على جيشه، واسترجع بغداد وفتح الديوان. وبلغه أن أخويه «بايزيد» و«سليمان» يدسان عليه، فأمر بقتلهما. ثم استرد الفرس أريوان.
أما مصر، فبعد تولية «مصطفى باشا» بثلاثة أشهر؛ أي من 15 ذي الحجة، ورد إلى القاهرة أمر بعزله، وتولية «علي باشا» مكانه. فاجتمعت الأجناد وساروا إلى القائمقام «عيسى بك» يطلبون الإعطاءات التي تفرق عند تولية كل وال جديد، فانتهرهم «عيسى بك» قائلا: «أفي كل ثلاثة أشهر تجددون هذا الطلبات؟» فأجابوه: «وما المانع؟ ألم يغير مولانا السلطان كل ثلاثة أشهر واليا علينا؟ ألا يضر ذلك بمصلحة البلاد؟ وإذا أراد أن يولي كل يوم واليا، فنحن أيضا كل يوم نطلب الإعطاءات التي لنا.» فحاول القائمقام إقناعهم، فلم ينجح ولم يزدهم ذلك إلا عنادا وتهديدا، وصرخوا جميعهم بصوت واحد: «نحن لا نرضى حاكما غير «مصطفى باشا»، ويرجع هذا إلى حيث أتى.» ثم قرءوا الفاتحة، وأقسموا أن يحافظوا على ما قالوه، وألا يحنث أحد منهم بذلك، وبناء عليه أعيد «مصطفى باشا» إلى منصبه.
فلما رأى الحزب العسكري معه، كتب إلى السلطان يطلب تثبيته، وأرفق الكتاب برسائل عديدة من علماء القاهرة ومشائخها وقضاتها، وجميعهم يطلبون تثبيته. ثم بلغهم وصول «علي باشا» إلى الإسكندرية فبعثوا إليه وفدا يبلغونه أن الجند والأهلين متفقين على رفضه، فجمع الوفد إليهم ودفع إليهم كتبا كلها مدح وإطناب للأمراء والجيوش، فعاد الوفد وقرأ تلك الكتب على الجند، فلم يكن جوابهم إلا إعادة الوفد ليعيدوا مطالبهم الأولى.
فلما رأى إصرارهم، استشاط غضبا، وأمر بالقبض على ذلك الوفد، وقيدوا إلى قلعة الإسكندرية مغلولين، وزجوا في سجنها، فتآمروا مع جند الإسكندرية وكانوا من حزبهم، فحلوا وثاقهم وهجموا جميعا على «علي باشا» وقوضوا خيمته وأجبروه على الخروج من الإسكندرية حالا، فأنزلوه في قارب مخصوص، وأخرجوه من الميناء. وكانت الريح ضده، فأعادته ثانية، فأطلق عليه الأمير «مصطفى» من قلعة المنارة عدة طلقات ثقبت سفينته ثقوبا لم تغرقها، لكنها أخرجتها من الميناء ولقب الأمير «مصطفى» من ذلك الحين «بالطبجي».
Неизвестная страница