والإنسان بطبيعته جامد لا يقبل على العادة الجديدة وليس هو بالمفكر النشيط الذي يدأب في الاختراع والاكتشاف، فإذا فرضنا أن إحدى الأمم اهتدت إلى اكتشاف أو اختراع فإن من المبالغة الكبيرة في حسن الظن بالذهن البشري أن نعتقد أن سائر الأمم ستخترع مثلها، وقصارى ما يحدث أنها تنقل عنها في بطء وفتور، وانتشار الأديان الحديثة يدل على أن انتقال الثقافة من قطر إلى آخر في العصور القديمة كان مألوفا، ولما كانت الحضارة المصرية القديمة تتصل بالدين وتمس العقائد التي تتعلق بالصحة وطول العمر والخلود والتناسل؛ كانت تجد قبولا بل تلهفا أينما حلت لأن الإنسان مهموم بهذه الأشياء، كما يدل على ذلك مثلا هذه المعارف الجديدة عن الفيتامينات التي فشت بين الناس هذه الأيام وبولغ فيها مبالغات كثيرة خرجت بها عن حدودها العلمية؛ فإن الناس لشوقهم إلى ما يطيل العمر ويقوي الصحة يكثرون من قراءة هذه الموضوعات ، كما أن الكتاب الذين عرفوا هذا الشغف قد أصبحوا يبالغون في فائدة الفيتامينات.
وهكذا الحال في العصور القديمة فإن الوهم الذي أشاعه المصريون عن فائدة الذهب والتحنيط جعل الأمم البدائية الأخرى تعتنق مذهبهم وتقبل حضارتهم وترتقي بها إلى الاكتشافات والاختراعات الأخرى. •••
ويجب عندما نبحث انتقال الثقافة المصرية إلى أقطار العالم أن نميز بين إنسانين أحدهما الإنسان البدائي والآخر الإنسان المتوحش.
فإن الإنسان البدائي لا يعرف الزراعة وليس عنده تراث كثير أو قليل من التقاليد، فهو يعيش عيشة ساذجة يجهل فيها اللباس والمسكن والغزو والسبي.
أما الإنسان المتوحش فيعرف طائفة عظيمة من العقائد يمارسها، منها السحر والقتال ونظام الحكم وأحيانا يعرف الزراعة، وهذا الإنسان هو الذي جمع السر جيمس فريزر عاداته من جميع الأقطار وعرضها في كتابه لكي يثبت المشابهة في استجابة الذهن البشري للبيئة إذا اتفقت الظروف.
ولكن مدرسة كمبردج التي تقول بأن مصر هي أصل الحضارة التي تفشت منها إلى سائر الأقطار تفسر هذا التوحش عند المتوحشين بأن الثقافة المصرية القديمة وصلت إليهم فركدت ولم ترتق أو هي انحطت على أيديهم وانمسخت.
وهذا التفسير يبرره الاستقراء؛ لأننا نجد في عادات المتوحشين الحاضرة بذور الثقافة المصرية القديمة.
الشعوب البدائية
يجب أن نميز بين الشعب البدائي والشعب المتوحش؛ فإن الإنسان في العصر الحجري كان بدائيا لا يدري شيئا من فنون الحضارة، أما الشعب المتوحش فله نظم اجتماعية تدل على أنه لقن شيئا من ثقافة المتمدنين ولكنه مارسها مع انحطاط في الفهم أو عجز عن الترقية، فهو يمارس الزراعة ويعرف الملوكية والدين ولكنه مع ذلك يمارس التضحية البشرية والرق إلى غير ذلك.
ولا يكاد يكون في العالم الآن شعب بدائي؛ لأن الحضارة قد انسلت إلى أنأى الأقاليم ورشحت إلى جميع الطبقات، حتى الإسكيماويون الذين يبنون بيوتهم بجدران من الثلج في شمال كندا صاروا يشترون الأقمشة ويأكلون الأطعمة المحفوظة في العلب، ولكن يمكن من وقت لآخر أن يقع السائح على فرد أو أسرة قد انقطعت عن العالم في غابة أو على ذروة جبل حيث تعيش عيشا ضنينا لا يطمع فيها إحدى القبائل أو الجماعات، فتبقى وهي تعيش عيشا بدائيا ساذجا.
Неизвестная страница