Миркат Мафатих
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
Издатель
دار الفكر
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
Место издания
بيروت - لبنان
لِلْمَفْعُولِ أَيْ: أَشْرَفَ (عَلَيْهِمْ آدَمُ ﵊): مِنْ مَقَامٍ عَالٍ (يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ): حَالٌ، أَوْ مَفْعُولٌ بِتَقْدِيرِ أَنْ كَمَا فِي قَوْلِهِ:
أَحْضُرَ الْوَغَى
(فَرَأَى) أَيْ: آدَمُ مِنْهُمْ (الْغَنِيَّ): صُورَةً، وَمَعْنًى بِاعْتِبَارِ الْآثَارِ اللَّائِحَةِ، وَاللَّامِعَةِ (وَالْفَقِيرَ): يَدًا، وَقَلْبًا، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَقْدِيمِ الْفَقِيرِ (وَحَسَنَ الصُّورَةِ) أَيِ: الظَّاهِرَةِ، وَالْبَاطِنَةِ (وَدُونَ ذَلِكَ)، أَيْ: فِي الْحُسْنِ، أَوْ غَيْرِ مَا ذَكَرَ (فَقَالَ: رَبِّ لَوْلَا) أَيْ: هَلَّا (سَوَّيْتَ): يَعْنِي لِمَا مَا سَوَّيْتَ (بَيْنَ عِبَادِكَ!): وَالْقَصْدُ هُوَ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ حِكْمَتَهُ قَالَ: (إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُشْكَرَ): بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ: أُعْرَفَ بِالْإِنْعَامِ، وَأُشْكَرَ عَلَى الدَّوَامِ عَلَى لِسَانِ الْأَنَامِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُصَحِّحُ مَعْنَى مَا يُنْقَلُ حَدِيثًا، وَلَمْ يَصِحَّ لَفْظًا (كُنْتُ كَنْزًا مَخْفِيًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُعْرَفَ فَخَلَقْتُ الْخَلْقَ لِأَنْ أُعْرَفَ)، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] أَيْ: لِيَعْرِفُوا، وَالْمَعْنَى يَنْظُرُ الْغَنِيُّ إِلَى الْفَقِيرِ فَيَشْكُرُ، وَيَنْظُرُ الْفَقِيرُ إِلَى دِينِهِ فَيَرَى نِعْمَتَهُ فَوْقَ الْغَنِيِّ فَيَشْكُرُ، وَيَرَى حَسَنُ الصُّورَةِ جَمَالَهُ فَيَشْكُرُ، وَقَبِيحُ الصُّورَةِ حُسْنَ خِصَالِهِ فَيَشْكُرُ، كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَهُوَ مُوهِمٌ أَنَّ حَسَنَ الصُّورَةِ، وَالسِّيرَةِ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَأَنَّ الْغِنَى وَالدِّينَ مُتَنَافِيَانِ فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ إِنَّ الْغَنِيَّ يَرَى عِظَمَ نِعْمَةِ الْغِنَى، وَالْفَقِيرَ يَرَى عِظَمَ نِعْمَةِ الْمُعَافَاةِ مِنْ كَدَرِ الدُّنْيَا، وَنَكَدِهَا، وَتَعَبِهَا الَّذِي لَا حَاصِلَ لَهُ غَيْرُ طُولِ الْحِسَابِ، وَتَرَادُفِ الْمِحَنِ، وَتَوَالِي الْعَذَابِ، وَحَسَنُ الصُّورَةِ يَرَى مَا مُنِحَهُ مِنْ ذَلِكَ الْجَمَالِ الظَّاهِرِ الدَّالِّ عَلَى الْجَمَالِ الْبَاطِنِ غَالِبًا، وَغَيْرُهُ يَرَى أَنَّ عَدَمَ الْجَمَالِ أَدْفَعُ لِلْفِتْنَةِ، وَأَسْلَمُ مِنَ الْمِحْنَةِ، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَرَوْنَ مَزِيدَ تِلْكَ النِّعَمِ عَلَيْهِمْ فَيَشْكُرُونَ عَلَيْهَا، وَلَوْ تَسَاوَوْا فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ لَمْ يَتَيَقَّظُوا لِذَلِكَ (وَرَأَى) أَيْ: آدَمُ (الْأَنْبِيَاءَ): وَهُمْ أَعَمُّ مِنَ الرُّسُلِ (فِيهِمْ) أَيْ: حَالَ كَوْنِهِمْ مُنْدَرِجِينَ فِي جُمْلَتِهِمْ (مِثْلَ السُّرُجِ): جَمْعُ سِرَاجٍ (عَلَيْهِمُ النُّورُ) أَيْ: يَغْلِبُ كَأَنَّهُ بَيَانٌ لِوَجْهِ شَبَهِهِمْ بِالسُّرُجِ، فَإِنَّ الْخَلْقَ خُلِقُوا فِي ظُلْمَةٍ، وَالْأَنْبِيَاءُ أَنْوَارُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَائِحَةٌ يَهْتَدُونَ بِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَيْضًا لَا يَخْلَوْنَ عَنْ ظُلْمَةِ الْأَخْلَاقِ الْبَشَرِيَّةِ، لَكِنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِمُ الْعِصْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ، وَالْأَنْوَارُ الرَّبَّانِيَّةُ، وَلِذَا (خُصُّوا بِمِيثَاقٍ آخَرَ): بَعْدَ مَا دَخَلُوا فِي عُمُومِ مِيثَاقِ الْعَوَامِّ لِلِاهْتِمَامِ التَّامِّ. بِمَرَامِهِمْ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَوْلُهُ: خُصُّوا اسْتِئْنَافٌ، أَوْ صِفَةٌ لِلْأَنْبِيَاءِ (فِي الرِّسَالَةِ، وَالنُّبُوَّةِ) أَيْ: فِي شَأْنِهِمَا، وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ مَنْ أَنْبَأَ عَنِ اللَّهِ سَوَاءٌ أُمِرَ بِأَنْ يُنْبِئَ عَنِ اللَّهِ أَمْ لَا، وَالرَّسُولُ مَنْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ (وَهُوَ قَوْلُهُ ﵎ أَيْ: هَذَا الْمِيثَاقُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ﴾ [الأحزاب: ٧] إِلَى قَوْلِهِ (عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ): وَمَا قَبْلُهُ، ﴿وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى﴾ [الأحزاب: ٧] فَفِيهِ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ، فَإِنَّ الْخَمْسَةَ هُمْ أُولُو الْعَزْمِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقُدِّمَ نَبِيُّنَا ﷺ فِي الذِّكْرِ لِتَقَدُّمِهِ فِي الرُّتْبَةِ، أَوْ فِي الْوُجُودِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ: «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ رُوحِي، وَقَوْلِهِ: كُنْتُ نَبِيًّا، وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ
1 / 199