142

Миркат Мафатих

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

Издатель

دار الفكر

Номер издания

الأولى

Год публикации

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

Место издания

بيروت - لبنان

إِلَّا أَنَّ الْإِيعَادَ اخْتَصَّ بِالشَّرِّ عُرْفًا يُقَالُ أَوْعَدَ إِذَا وَعَدَ بِشَرٍّ إِلَّا أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْخَيْرِ لِلِازْدِوَاجِ، وَالْأَمْنِ عَنِ الِاشْتِبَاهِ بِذِكْرِ الْخَيْرِ بَعْدَهُ كَذَا قَالُوا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي
وَأَمَّا عِنْدَ التَّقْيِيدِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِالتَّجْرِيدِ فِيهِمَا، أَوْ بِأَصْلِ اللُّغَةِ، وَاخْتِيَارِ الزِّيَادَةِ لِاخْتِيَارِ الْمُبَالَغَةِ (فَمَنْ وَجَدَ): أَيْ فِي نَفْسِهِ، أَوْ أَدْرَكَ، وَعَرَفَ (ذَلِكَ) أَيْ: لَمَّةَ الْمَلَكِ عَلَى تَأْوِيلِ الْإِلْمَامِ، أَوِ الْمَذْكُورِ (فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ): أَيْ: مِنَّةٌ جَسِيمَةٌ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَاصِلَةٌ إِلَيْهِ، وَنَازِلَةٌ عَلَيْهِ إِذْ أَمَرَ الْمَلَكَ بِأَنْ يُلْهِمَهُ (فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ) أَيْ: عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ حَيْثُ أَهَّلَهُ لِهِدَايَةِ الْمَلَكِ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ تَصْدِيقًا وَتَحْصِيلًا، ثُمَّ مَعْرِفَةُ الْخَوَاطِرِ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَهَا مَحَلُّ بَسْطِهَا كُتُبُ الصُّوفِيَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَهَا الْغَزَالِيُّ فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ تَبْيِينًا لَطِيفًا، وَاتَّفَقَ الْمَشَايِخُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مَأْكَلُهُ مِنَ الْحَرَامِ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْوَسْوَسَةِ وَالْإِلْهَامِ، بَلْ قَالَ الدَّقَّاقُ: مَنْ كَانَ قُوتُهُ مَعْلُومًا أَيْ: بِأَنْ لَمْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ الْإِلْهَامُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ لَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي مَعْرِفَةِ وَسَاوِسِ النَّفْسِ، وَمَكَايِدِ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَهَا هُنَا، وَأَخَّرَهَا أَوَّلًا لِأَنَّ لَمَّةَ الشَّيْطَانِ شَرٌّ، وَالِابْتِلَاءُ بِهَا أَكْثَرُ، فَكَانَتِ الْحَاجَةُ بِبَيَانِهَا أَمَسُّ، وَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَدَّمَ لَمَّةَ الْمَلَكِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهَا، وَإِشْعَارًا بِأَنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ (وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى) أَيْ: لَمَّةَ الشَّيْطَانِ (فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرِّجِيمِ): وَلْيُخَالِفْهُ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْكُلَّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا الشَّيْطَانُ عَبْدٌ مُسَخَّرٌ أُعْطِيَ لَهُ التَّسْلِيطُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر: ٤٢] وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ هُنَا فَلْيُعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ تَأَدُّبًا مَعَهُ إِذْ لَا يُضَافُ إِلَيْهِ إِلَّا الْخَيْرُ (ثُمَّ قَرَأَ): ﷺ اسْتِشْهَادًا ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ [البقرة: ٢٦٨] أَيْ: يُخَوِّفُكُمْ بِهِ، ﴿وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة: ٢٦٨] أَيْ: بِالْبُخْلِ، وَالْحِرْصِ، وَسَائِرِ الْمَعَاصِي، فَإِنَّ حُبَّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ، أَوْ مَعْنَاهُ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ لِيَمْنَعَكُمْ عَنِ الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ، وَيُخَوِّفُكُمُ الْحَاجَةَ لَكُمْ، أَوْ لِأَوْلَادِكُمْ فِي ثَانِي الْحَالِ سِيَّمَا فِي كِبَرِ السِّنِّ، وَكَثْرَةِ الْعِيَالِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ أَيِ الْمَعَاصِي، وَهَذَا الْوَعْدُ، وَالْأَمْرُ هُمَا الْمُرَادَانِ بِالشَّرِّ فِي الْحَدِيثِ، وَتَتِمَّةُ الْآيَةِ: ﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً﴾ [البقرة: ٢٦٨] أَيْ: لِذُنُوبِكُمْ عَلَى الصَّبْرِ فِي الْفَقْرِ، وَالطَّاعَةِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ عِنْدِهِ عَدْلًا، أَوْ فَضْلًا، أَيْ: يَعِدُكُمْ زِيَادَةَ الْخَيْرِ عَلَى الْمَغْفِرَةِ، وَثَوَابَ الطَّاعَةِ بِالْأَضْعَافِ الْمُضَاعَفَةِ، أَوْ خَلَفًا فِي الدُّنْيَا، وَعِوَضًا فِي الْعُقْبَى ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٧]: تَذْيِيلٌ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ إِشَارَةٌ إِلَى سِعَةِ مَغْفِرَتِهِ، وَرَحْمَتِهِ، وَوُفُورِ عِلْمِهِ بِأَحْوَالِ الْعِبَادِ وَمَصَالِحِهِمْ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ): وَتَعْرِيفُ الْغَرَابَةِ، وَتَفْصِيلُهَا مَتْنًا، وَإِسْنَادًا مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْحَدِيثِ.
٧٥ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ «لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ، حَتَّى يُقَالَ: هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا: ﴿اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الجن: ٢٢]، ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص: ٢]، ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ [الإخلاص: ٣]، ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ [الإخلاص: ٣]، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤]، ثُمَّ يَتْفُلُ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ») . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ عَمْرٍو بْنِ الْأَحْوَصِ فِي بَابِ خُطْبَةِ يَوْمِ النَّحْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ــ
٧٥ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): ﵁ (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ) أَيْ: لَا يَنْقَطِعُونَ عَنْ سُؤَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي أَشْيَاءَ (حَتَّى يُقَالَ هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ): مَرَّ الْبَيَانُ فِيهِ (فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟): فَلَمَّا جَرَّ كَثْرَةُ السُّؤَالِ إِلَى الْجَرْأَةِ عَلَى الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَعَنْ قِيلَ وَقَالِ، أَوِ الْمُرَادُ

1 / 144