فما وجد في الأثر من حق - كان أقوى حجة من الخير، لأن الأثر؛ إذا صح صح بالإجماع عليه، فوجدنا الله قد قطع العذر بالكتاب؛ كما قطعه بالوحي، وهدي بالكتاب كما هدي بالوحي. ومن ذلك ما صح من كتاب الله تبارك وتعالي: أنه قد انقطعت حجة بلقيس وقومها بما ورد عليهم من كتاب في منقار طائر، أو في عنقه؛ إلا أنه هو الموصل له، والملقي له إليهم، وما صح من سليمان (صلوات الله عليه) في كتابه لهم: " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين " ؛ فكان ذلك حجة عليهم من سليمان (عليه السلام)، وقطعا لعذرهم.
ومن ذلك: قوله الله مخبرا عن سليمان، أنه قال: " يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين " ؟؛ فكان هذا دليلا على أنه قد استحل غنيمة العرش؛ بقيام الحجة، وقطع العذر بكتاب الطائر.
ومن ذلك: مالا نعلم أن أحدا ينكره- أن النبي (- صلى الله عليه وسلم -) كان يحتج بالكتاب على يد رجل على أهل الأمصار، والقرى. والأقطار؛ فنقوم بذلك لهم وعليهم الحجة من أثر قامت له الحجة.
وكذلك سائر أئمة العدل، وكذلك الكتاب بإنفاذ الأحكام من الإمام إلى الإمام، ومن الإمام إلى القاضي، والوالي، أو القاضي إلى الوالي، أو الوالي إلى القاضي - حجة، وتقوم مقام الخير.
ولو أخبر الذي في يده الكتاب - إذا كان ثقة - ما زاد على ما في الكتاب مما هو حجة من الحق في موضع الحجة، وأنه يقوم مقام الخبر، وهذا مما لا تحصى فيه الحجج.
ثم قال: ما عرفنا من قوله: أنه لا يؤخذ بما في الأثر إلا من عرف عدله، فسبحان الله؛ فإذا كان قد عرف هذا من قوله؛ فلا يجوز أن يؤخذ بحدود النطق إن كان صدقا، أو صوابا، أو خارجا على الصواب.
Страница 86