فالوحي من الروح الأمين، نزل على التجويف الأول؛ لأنها بين النطق واللسان، وهي أول مراتب الوحي في التنزيل، وهو إلهام الله تعالي على القلوب، وبعده روح القدس، وهو تفيض ما يرد في اللوح المحفوظ إلى المرتبة الثانية من القلب: فيثبت الإيمان، والبصر [و] البصيرة الفكرية، وتظهر أنواع الحكم والطائف الإيمانية.
ثم للمرتبة الثالثة: وهي محل النور الأقدس، وهي محل السمع والعقل، قال الله تعالي:" فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء ".
ولم يرد موت الحسن؛ ولكن يريد به موت الكفر والعصيان، ولم يرد به الصمم من الأذن؛ لأن حاسة السمع موجودة؛ وإنما أراد به السمع الذي هو العلم.
ومحل العقل وهو محل روح الأمر الذي يشير إلى التمكين، وحقيقة الجمع: ما اختص به التنزيل إلى نبينا محمد (صلي الله عليه وسلم).
قال الله تعالي: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " أي: يوجد في قلوبهم ودا فيودونه بأنواع الأذكار، وأطوار القربات، فلا يتركون من أعمال القلب مالا يبصرون به، ولا يودون لأنفسهم إلا بقطع العوائد المألوفات؛ إلى أن يحصل بها ود من الله تعالي؛ فينقلب حديثها نطقا وحكمة، وحركاتها ارتقاء درج؛ فيؤدونه بالحقائق الإيمانية والأسرار الشرعية، والأنوار الدينية؛ إلى أن يظهر على الروح آثار الود؛ فينظر المعاد كشفا، وما أعد الله فيه من أنواع التنعيم لأوليائه، والعذاب لأعدائه؛ فيتزايد اشتياقهم إلى طلب الرجعة إلى الله تعالي، ولقائه، ويزهدون في جميع العلائق، والمألوفات غير الله تعالي؛ فإذا توجه القلب إلى الود إلى الله تعالي؛ نظر في أسرار عجائب صنع الله تعالي، والتفكر في ذلك.
Страница 53