وقال أبو سعيد (رحمه الله): ينبغي لطالب العلم والحكمة أن يذاكر كل شخص رآه؛ فإن وجده أعلم منه فعند ذلك غنيمته، وإما أن يكون هو أعلم من ذلك الشخص فذلك موضع ربحه، وإما أن يكونا سواء فذلك موضع تجارته؛ يعطي ويأخذ؛ إذا صدقت نيته في ذلك.
وقال الخليل بن أحمد: كن على مدارسة ما في قلبك أحرص منك على ما في كتبك، وأجعل ما في كتبك رأس مالك، وما في قلبك النفقة، وقيل: لا كنز أنفع من العلم، ولا مال أربح من الحلم، ولا حسب أرفع من الأدب.
وقال بعض البلغاء: من تفرد بالعلم لم توحشه خلوة، ومن تسلي بالكتب لم تفته سلوة، ومن آنسته قراءة القرآن لم توحشه مفارقة الإخوان.
فصل:
روي عن النبي (صلي الله عليه وسلم) أنه قال: "استودعوا العلم الأحداث، إذا رضيتموه"، ومن آداب العلماء: النصح لمن علموا، والرفق بهم، فلا تعنفوا معلما ولا تحقروا ناسيا متعلما، ولا استصغروا مهدئا؛ فقد روي عن النبي (صلي الله عليه وسلم) أنه قال: "علموا ولا تعنفوا؛ فإن المعلم خير من المعنف" ومن آدابهم ألا يمنعوا طالبا ، ولا ينفروا راغبا، ولا يؤيسوا متعلما، ولا متفهما، قال النبي (صلي الله عليه وسلم): "ألا أنبئكم بالفقيه كل الفقيه؟ قالوا: بلي يا رسول الله. قال: من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولا يؤيسهم من روح الله".
وينبغي للعالم أن يكون أوسع صدرا، وأكثر صبرا، وأجملهم لقاء، وأحسنهم خلقا؛ لأن المتعلمين منه والمتحملين عنه يأخذون خلائقه، ويحتذون طرائفه؛ ليكون لهم إلي اسنى الأفعال منهاجا، ومن غي الضلال سراجا.
ويجب على العالم أن يوقر المتعلم، كما يجب على المتعلم ذلك أيضا؛ لما روي أن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال: وقروا من تتعلمون منه، ووقروا من تعلمونه العلم.
وقال بعض الحكماء: من تعلم العلم بغير تكلف مونة، واحتمال نصب فقد التمس ما لا يجد، وقيل: كثرة العلم بكثرة الأذى؛ فمن ازداد علما ازداد نصبا.
Страница 34