============================================================
73 1 ربع العبادات (حتاب العلم بالبرهان الذي لا يشك فيه، ولا يتصور التشكيك فيه، مثل وجود القديم، فإن العامة تثبت قديما على وجه الاعتقاد، ولا تعرف البرهان على ذلك، والعلماء يعرفون ذلك يقينا؛ لأنهم يقولون: قد ثبت خدوث(1) المحدثات، ولا يجوز دوثها بلا سبب، فثبت وجود القديم ضرورة، فصار علمهم بذلك يقينا، ومن ثمرات اليقين أن يرى الموقن جميع الأسباب من المسبب، وأن الأسباب مسخرة لا حكم لها، بل هي كاليد والقلم في حق من يوقع له بنعمة. وأن ينصب الجزاء الموعود به بين يديه كأنه يراه، وآن الله يراه في كل حال، فيوجب هذا صدق المراقبة، وحسن الأدب، وحراسة الخواطر، فيكون كالجالس بين يدي ملك معظم، وهذا المقام يورث الحياء والخوف والخضوع والذل، وكل خلة من هذه تورث أنواعا من الطاعات.
ومن صفات علماء الآخرة: أن يكونوا أرباب خزن وانكسار وصمت، فتظهر عليهم الخشية، فيعرفون بسيماهم بخلاف علماء الدنيا الذين ليس عندهم ما يكف عن قهقهة وتشدق وبطر، وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال في خحطبة له: ذمتي رهينة وأنا زعيم، لا يهيج على التقوى زرغ قوم، ولا يظمأ على الهذى سنخ أصل، وإن أجهل الناس من لا يعرف قدره، وإن أبغض الخلق إلى الله تعالى رجل قمش(2) علما حتى إذا ارتوى من ماء آجن وأكثر من غير طائل، جلس للناس مفتيا لتخليص ما التبس على غيره، وإن نزلت به إخدى المهمات هيأ حشو الرأي من رأيه، فهو من قطع الشبهات في مثل غزل العنكبوت لا يدري أخطأ أم أصاب، ركاب جهالات، خباط عشوات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم، ولا يعض على العلم بضرس قاطع فيغنم، تبكي منه الدماء وتستحل بقضائه الفروخ الحرام.
ومن صفات علماء الآخرة: أن يكون أكثر بحثهم في علم الأعمال عن ما يفدها، ويكدر القلوب، ويهيج الوساوس، فإن صور الأعمال قريبة، وإنما التعب (1) في (ظ): "حدث".
(2) قمش علما: أي جمعه من هنا وهناك.
Страница 73