والإيمان التابع له. فسمي أسبق الإيمانين إيمانا بالإطلاق، أو أحدهما إسلاما. أو بقول فصل بين صريح التصديق وبين إماراته، فسمي صريحه إيمانا وسميت إماراته إسلاما. أو بقول فصل بين ما هو إيمان بالله، وما هو إيمان لله. فسمي الإيمان بالله إيمانا بالإطلاق، وسمي الإيمان لله إسلاما. وإلا فالإسمان موضوعان لدين واحد، والله أعلم.
وجواب آخر: أن يقول: اختلفت الروايات في ذكر الإيمان والإسلام. فقيل في بعضها: (قال: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت. فقال: ما الإسلام؟ قال: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت والغسل من الجنابة). وهذا يومئ إلى أن يكون الإيمان هو الخصال الناقلة عن الكفر، والإسلام هو الطاعات التي تصح وراء الانتفاء عن الكفر، وهي شرائع الإيمان.
وقيل في بعض الروايات: (ما الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، إلى آخره. قال: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر). وهذا يوجب أن يكون الإيمان هو الاعتقاد بالقلب، وأن يكون الإقرار مع سائر الطاعات من جملة الإسلام، ويكون الإسلام غير الإيمان. وهذا يلتحق بالمقالة التي بدأت بالكلام عليها، إلا أن فيه على أهل هذا القول- الذي نتكلم عليهم- حجة، وهي أنه لا خلاف بيننا وبينهم أن الشهادة إيمان كالاعتقاد، وقد سميت في هذا الحديث إسلاما، وألحقت بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. فقد وجب بذلك أن يكون الإيمان والإسلام اسمين لدين واحد، وأن تكون الطاعات كلها إيمانا. غير أن الإيمان ما بطن والإسلام ما ظهر، ثم هما جميعا إيمان، لأنه لا صحة للباطن إلا بالظاهر، ولا بالظاهر إلا بالباطن. وهما جميعا إسلام، لأن كل واحد من تقويم الظاهر والباطن إذعان لله وخضوع، ولا يكون ذلك إلا مع التصديق. وبالله التوفيق.
ويدل على صحة هذا خبر ثالث، وهو ما روي أن النبي ﷺ قال لوفد عبد القيس:
1 / 44