فدل ذلك على أن الأكساب الصالحة معترضة في الإيمان، لا أنها بنفسها إيمان.
فالجواب: أنه لا يمتنع أن يقال لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، فيكون قد حاز أقل الإيمان إلى أفضله، إذ كسب الخير في الإيمان إيمان. كما لا يمنع أن يقال: لمن صلى إذا دخل الوقت، أو قرأ في صلاته فضل قراءة، أو سبح فيها أو كبر، فيكون المعنى- أو فعل ما ذكرنا- فيكون قد كسب لصلاته كمالا، إذ القراءة والتسبيح والتكبير في الصلاة صلاة.
ويدل على أن كسب الخير في الإيمان إيمان، قول الله ﷿ في أجزائه الظهار الذي هو منكر من القول، وزور بعد إيجاب الكفارة: ﴿ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله﴾ وإنما أراد ذلك ليمتنعوا من الظهار، الذي هو منكر من القول وزور طاعة لله الذي حرمه عليكم، فسميت الطاعة لله بترك الظهار إيمانا، فثبت أن كل طاعة إيمان، وأن معنى الآيات المتقدمة ما وصفت والله أعلم.
فإن قيل: روينا (أن رسول الله ﷺ برز للناس يوما، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال: يا رسول الله، ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). فبان بهذا الحديث: أن الإيمان غير الإسلام، وأن هذه الشرائع إن كانت إسلاما فالإسلام إيمان.
قال الله ﷿: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما﴾. فأخبر أنهم لا يؤمنون حتى يسلموا الأمر رسول الله، وإذا كان التسليم لأمر رسول الله، إنما كان التسليم لأمر الله إيمانا.
والإسلام والتسليم كالتكريم والإكرام، والتعظيم والإعظام، والتكبير والإكبار، والطاعات كلها تسليم وإسلام لله ﷿. فثبت أنها إيمان، ويدل على صحة هذا أن الله ﷿ قال: ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾. وقال: ﴿قولوا آمنا بالله﴾،
1 / 42