ووجه آخر: وهو أن الكافر إذا اعتقد وأقر كان مؤمنا، ثم لا يلزمه في غير أحوال الصلاة أن يتكلم بشهادة الحق، وإن اعترضت في أمره شبهة فاحتاج إلى إزالتها للدفع عن نفسه كفاه أن يقول: إني مسلم أو قد أسلمت من وقت كذا، ولم يلزمه أن يأتي بالشهادة على وجهها. فبان أن ذلك للجمع بين ظاهر الإيمان وباطنه لا لمعنى سواه، إذ لو كان الدلالة على حال نفسه للزمه في كل حال من أحوال الأشكال الواقع في أمره أن يأتي بالشهادة على وجهها. وإذا لم يلزمه في ذلك ما يلزم في بدئ أمره، صح أن مجموع الاعتقاد والإقرار هو الإيمان وبالله التوفيق.
فإن قال قائل: فما أنكرتم أن الإيمان هو التصديق بالقلب وحده، لأن الله ﷿ أمر بالإيمان بقوله: ﴿آمنوا﴾ والتصديق بالقلب إيمان في اللسان، فمن جاء بذلك فقد وفى الأمر حقه وخرج عن عهدته:
فالجواب أن التصديق المطلق قول القائل: صدقت، بقول العرب: إن صدقت فصدقني، وإن أصبت فصوبني، وإن أخطأت فخطئني، وإن أسأت فسؤني، على أن قيل لي: صدقت، أصبت، أخطأت، أسأت،. وقال الله ﷿: ﴿ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما﴾. فسمى قوله: ﴿وصدق الله ورسوله﴾ بعد تقديم الإيمان زيادة إيمان. فثبت أن الإيمان ليس التصديق بالقلب دون القول به، وأيضا فإن هذه الآية لم تتجرد عن سائر الآيات والسنة التي فيها اشتراط القول لثبوت الإيمان، فوجب أن يكون محمولا على الإيمان ومضمومه إليها. وأيضا فإن لا خلاف بيننا وبين قائل هذا القول في أن الإقرار إيمان لأنه يقول الطاعات كلها إيمان، والإقرار طاعة. فهو إذن إيمان. فإن كان قوله ﷿: آمنوا، محمولا على الإيمان الجامع لجميع شعبه، فالإقرار منها بل هو رأسها. وإن كان محمولا على كل شيء يلحقه اسم الإيمان فلا ينبغي أن يكون التصديق بالقلب أندر إليه من التصديق باللسان، ولا التصديق باللسان أندر إليه من التصديق بالقلب.
1 / 29