============================================================
هذا وقيل: إن العرش جعل قبلة للقلوب عند الدعاء كما جعلت الكعبة قبلة للأبدان في حال الصلاة، وقد سبق أن هذا مما لا وجه له، فإنه مأمور باستقبال القبلة أيضا حال الدعاء، وبرفع الأيدي إلى السماء وبعدم رفع الوجه إلى جهة العلو، فالوجه ما قدمناه، مع أن التوجه الحقيقي إنما يكون بالقلب إلى خالق السماء. نعم، نكتة رفع الأيدي إلى السماء أنها خزائن أرزاق العباد كما قال الله تعالى : { وفى التماء رزقكر) الاية [الذاريات: 22]، مع أن الإنسان مجبول على الميل إلى التوجه إلى جهة يتوقع منها حصول مقصوده، كالسلطان إذا وعد العسكر بالأرزاق، فإنهم يميلون إلى التوجه نحو جيوب الخزينة وإن تيقنوا أن السلطان ليس فيها.
ثم جده عليه الصلاة والسلام إبراهيم أفضل بعده، ففي الصحيح: لاخير البرية إبراهيم عليه السلام"، فخص منه نبينا بقوله على ما رواه الترمذي : "إن إبراهيم خليل الله ألا وأنا حبيب الله " فبقي الباقي على عمومه.
واعلم أن الخلة كمال المحبة، وأنكر الجهمية حقيقة المحبة من الجانبين زعما منهم أن المحبة لا تكون إلا لمناسبة بين المحب ال والمحبوب، وأنه لا مناسبة بين القديم والمحدث توجب المحبة، وكان أول من ابتدع هذا في الإسلام هو الجعد بن درهم في أوائل المائة الثانية، فضحى به خالد بن عبد الله القسري أمير العراق والمشرق بواسط، خطب الناس يوم الأضحى فقال: أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا. ثم نزل فذبحه، وكان ذلك بفتوى أهل زمانه من علماء الدين (1) .
(1) خالد القسري هو الذي بنى كنيسة لأمه تتعبد فيها، ويقال: إنه ذبح جعد بن
Страница 338