Сквозь монокль: Легкомысленные критические картинки из нашей общественной жизни
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Жанры
وبدأ بألمانيا وانطلق يتحدث وأنا أعاني في كتمان الضحك ما أعاني، وأتمنى أن يجود البك بنكتة من سخيف نكاته لأفرغ في جلبة الحلقة ما بنفسي من ضحك مكتوم كم خشيت أن ينطلق على رغمي، فأكون موضع استنكار الجالسين.
وما لي حيلة في أن أصور للقارئ كلامه، وحسبك مما أذكره أنه كان يتحدث عن «هتلر» كما يسميه، كما لو كان يتحدث عن أبي زيد الهلالي والزناتي خليفة وعنترة بن شداد وأضرابهم من المغاوير.
ويحرص البك أشد الحرص ويتوخى الدقة إذا تحدث عن أقطار الأرض، وإن كانت سويسرا وسوريا عنده شيئا واحدا، وإن كانت كندا لتاخم الهند، وإن كانت دولة البلقان لمن أعظم دول الأرض، إن كانت أستراليا لتقع جهة السودان، وإن كان جبل طارق لذات ثروة عظيمة وبخاصة في القمح والقطن، وذات خطر يحسب له ألف حساب، إلى غير ذلك من الأدلة على سعة علمه بجغرافية هذا الكوكب.
ولن يقل علمه بالتاريخ عن علمه بالجغرافية، يتجلى ذلك في سبب تفضيله هتلر على نابليون، فنابليون كان يحارب منذ أكثر من خمسمائة سنة، فكانت أمامه أمم ضعيفة، أما «هتلر» فإنه يحارب إنجلترة التي ملكت العالم وسادت البحار.
ويحاول البك أن يتكلم العربية كما يفعل المتعلمون، فيأتي بضروب من القافات لم يسبقه فيها سابق، ولن يلحقه لاحق إن شاء الله، فالقسطول الإنجليزي قسطول هائل، وقيران دولة صديقة لنا، وحدث كيت في زمن بني قمية ... إلى غيرها مما أخشى إن ذكرته أن يحمل على المبالغة.
وينتقل صاحب السلطان إلى المباهاة بجاهه فيما يذهب فيه من ضروب الحديث؛ فيصف كيف يقف له سعادة المدير إذا دخل عليه، وكيف يقدم له القهوة والسكائر، ويذكر من شملهم بعطفه فعينهم في وظائف، مشيرا إلى أنه إنما فعل ذلك لا يقصد غير البر والإحسان، ويفخر بمن يزور داره من الحكام ومن وجوه البلاد، ويقص الأقاصيص عن خوف رجال الشرطة منه، وآخر ما حدث له معهم أنهم ما كادوا يعلمون أن الحمير «المسلوخة»، التي قبضوا عليها منذ يومين ملك له حتى أطلقوا سراحها معتذرين! وأنهم عاجزون عن أن يقبضوا على رجل من رجال عزبته إلا بأمره، وبدهي أنهم متى عجزوا عن الحمير كانوا عن الرجال أعجز.
وتكلم عن الفلاحين، وناهيك بحديثه عن الفلاحين، فله في ذلك من جوامع الكلم ومن أصول الاجتماع ما يعجب ويطرب، خذ مثالا لذلك قوله: «اضرب الفلاح على رأسه تأكل خيره.» وقوله: «الفلاح جنس ما يستهلش النعمة.» و«الفلاح يخاف ولا يختشي.» ولقد كان يذكر هذه العبارات في لهجة الخبير الواثق الذي لا يقبل فيها جدلا، وهل كان في الجالسين من يجرؤ على جداله؟!
وتداعت الصور في ذهني وهو يتحدث عن الفلاحين، فتذكرت منظره وهو بين المزارع تركض به دابته وخلفه فلاح يجري والعرق يقطر من جبينه، وإنه ليلهث كما يلهث الكلب، وتذكرت أني رأيته يركل رجلا توسل إليه أن يترك له بضعة قروش بقية إيجار لضيق ذات يده، ركلة قلبته على ظهره، وتذكرت أنه أمر بجماعة من الفلاحين فطاف بهم أعوانه في القرية عراة بعد أن ألقيت ملابسهم في النار؛ لأنهم اعترضوا سيارة قريب له على غير علم كانت قد دهمت جاموسة لأحدهم، وتذكرت أنه ما من فلاح يستطيع أن يحجز الماء ليصرفه إلى حقله حتى تروى أرض البك كلها، وإن تركت أرضه هو قاحلة جرداء.
وحمل البك حملة قاسية على ما يسمونه الحرية ورد إليها أسباب جميع الجرائم، ولعن العصر وسخافاته وترحم على الأيام الماضية أيام لم يكن يسمع أحد بحرية وانتخاب «ولا كلام فارغ زي ده»، ونسي البك الهمام أنه كان نائبا مرتين!
وانصرفنا من لدنه وأنا أقول في نفسي: إذا كان مثل هذا يتصدى للنيابة عن أولئك الفلاحين، وإذا كان يفكر هذا التفكير في هذا العصر، فيا ضيعة العلم ويا خيبة الآمال في الدستور والحرية، فكم من أمثال هذا من يظفرون بالجلوس في برلماننا، وقد قدموا من بلادهم فلم يغيروا إلا حللهم ...
Неизвестная страница