فلما جاء أبو المطوق أنشدته الأبيات، وسألته عن المسألة فوافقني١.
٢- في حضرة الرشيد:
سأل الرشيد اليزيدي والكسائي عن قصر "الشراء" ومده فقال الكسائي: "مقصور لا غير" وقال اليزيدي: "يقصر ويمد" فقال الكسائي: "من أين لك؟ " فقال اليزيدي: "من المثل السائر: لا يغتر بالحرة عام هدائها ولا بالأمة عام شرائها". فقال الكسائي: "ما ظننت أن أحدا يجهل مثل هذا" فقال اليزيدي: "ما ظننت أن
_________
١ أمالي الزجاجي ص٤٠ ثم قال الزجاجي: المسألة مبنية على الفساد للمغالطة، فأما جواب الكسائي فغير مرضٍ عند أحد، وجواب اليزيدي غير جائز عندنا؛ لأنه أضمر "إن" وأعملها وليس من قوتها أن تضمر فتعمل، والصواب عندنا في المسألة أن يقال: "إن من خير القوم وأفضلهم أو خيرهم البتة زيد" فتضمر اسم إن فيها وتستأنف بعدها. ا. هـ. قلت: يريد أن اسمها ضمير شأن محذوف.
هذا والقصة في الأغاني "١٨/ ٧٦" وفيها ثمة اختلاف يسير وبعض نقص وإخلال، أما الزيادة فيها فطريفة لدلالتها على أن العصبية في النحو لم تقتصر على النحاة، بل تناولت كبار رجال الدولة وأغرتهم بالتحيز، ولم ينج شيبة بن الوليد هذا وهو أحد قواد المهدي من شرها، وإليك تتمة الخبر برواية الأغاني على لسان أبي محمد نفسه:
"فقال لي المهدي: كيف تنشده أنت؟ " فقلت: "أو خيرَهم بتة أبو كرب" على إعادة "إن" كأنه قال: "أو إن خيرهم بتة أبو كرب"" فقال الكسائي: "هو والله قالها الساعة" فتبسم المهدي وقال: "إنك لتشهد له وما تدري" ثم طلع الأعرابي الذي بعث إليه فألقيت عليه المسائل، فأجاب فيها كلها بقولي فاستفزني السرور حتى ضربوا بقلنسيتي الأرض وقلت: "أنا أبو محمد" فقال لي شيبة: "أتتكنى باسم الأمير؟ " فقال المهدي: "والله ما أراد بذلك مكروها، ولكنه فعل ما فعل للظفر، وقد لعمري ظفر" فقلت: "إن الله ﷿ أنطقك أيها الأمير بما أنت أهله وأنطق غيرك بما هو أهله" فلما خرجنا قال لي شيبة: "أتخطئني بين يدي الأمير؟ أما لتعلمن؟ " قلت: "قد سمعت ما قلت، وأرجو أن تجد غبها" ثم لم أصبح حتى كتبت رقاعا عدة، فلم أدع ديوانا إلا دسست إليه رقعة فيها أبيات قلتها فيه، فأصبح الناس يتناشدونها وهي:
عش بجد ولا يضرك نوك ... إنما عيش من ترى بالجدود
عش بجد وكن هبنقة القيـ ... ـسي نوكا أو شيبة بن الوليد
1 / 54