Из трещин темноты: история заключенного, в которой самое тревожное — то, что она еще не закончилась

Нахид Хинди d. 1450 AH
72

Из трещин темноты: история заключенного, в которой самое тревожное — то, что она еще не закончилась

من شقوق الظلام: قصة سجين أكثر ما يؤرق فيها أنها لم تنته بعد

Жанры

في مستهل الأسبوع الثاني من بداية الخريف، وبعد مرور عام كامل من انتهاء حرب الخليج الأولى، استقبلنا أهالينا - لأول مرة - في مواجهة جماعية عامة، كانت حدثا غريبا عاد منه كل سجين بقصة غريبة ومشاهد عجيبة ومشاعر مختلفة. وجوه الآخرين مسحت من الذاكرة واستعادتها كانت تشبه رحلة النواخذة في استخراج اللؤلؤ، تحتاج إلى غوص عميق بعدة بدائية.

كنا كشجرة أصابها جفاف شديد، احتواه زمن ممتد بسكونه وظله الكئيب ما جعله دهرا لا ينقضي، ونست معه طعم الماء. كنا كذلك بحرماننا من مشاعر العاطفة والرحمة حتى ظننا أن ليس للبشر شيء منها، وأنها مثل خرافات الأقدمين. فجأة نزل علينا غيث غزير يكفي لأن تبحر به حتى سفينة نوح؛ التعرف على الأهل مهمة ليست بيسيرة وتتطلب إعادة ترتيب السجين لعالمه الداخلي وتعديل ذكريات طغى عليها الألم والغضب والحزن والأسى، تعديل أفكار المرء عن نفسه مع مستقبل يقترب منه مهمة لا يوجد أكثر منها مشقة ولا أزيد صعوبة.

كنت واقفا أنتظر قدوم أحد ما لمواجهتي في ذلك اليوم، عندما أذاعوا اسمي في سماعة داخلية، لم نكن نعرف من يأتي لمواجهتنا، فقط نعرف أنه مسموح لنا بالخروج إلى ساحة المواجهة بعد أن يذاع اسم السجين لنقف هناك منتظرين قدوم الزوار. دخلت امرأة لم أتعرف عليها، رأيتها تتلفت يمينا وشمالا تبحث عن الشخص الذي تقصده مما لفت انتباهي، وبينما هي تدور حائرة بين الوجوه مثلي، وصلت قريبا جدا مني بحيث كان بإمكاننا فقط لو - فقط - تستدير باتجاهي؛ لوضعنا عيوننا أحدنا بعين الآخر مباشرة، وأن يسمع كل منا أنفاس الآخر في صعودها ونزولها. سمعتها تسأل أحد السجناء عني، أشار إلي وأنا أواصل النظر إليها مدققا - ولم أزل غير قادر على التعرف عليها - ثم سمعتها وهي تفتح عينيها بدهشة لتناديني باسمي، حينها فقط اكتشفت أنها تشبه خالتي، بل هي خالتي.

لم أتعرف على شقيقي الأصغر هو الآخر؛ لأنه كبر وصار شابا جامعيا، وبدا لي والدي مسنا جدا، قضى معظم الوقت يومها في نوبات بكاء ينخرط فيها فجأة، يسبب لي معها اضطرابا شديدا يطيش بلبي، وأنا أنظر إليه مشدوها مبهوتا لا أعرف ما الذي علي فعله لمواجهة هكذا موقف. كان أهلي يجلسون قبالي يمعنون النظر في، ويرقبون كل حركة تصدر مني، ولم يخفت توترهم إلا بعد أن تكررت مواجهتي، واطمأنوا لتكرارها؛ فهدأ روعهم بعد أن أصبحت أمرا عاديا، يتكرر كل شهر مرة ثم صار كل أسبوعين. كثيرون جدا من أقاربي تجنبوا الحضور لمواجهتي خوفا على سمعتهم لدى الدولة، خشية أن يلحقهم أذى محتمل في مستقبل وظائفهم إن أعلنوا قرابتي منهم، ولم أعر ذلك اهتماما.

كان معنا في زنزانة المعتقل ضابط برتبة كبيرة، كان يعلم أنه محكوم عليه بالإعدام حتما ولن ينجو من الموت شنقا، كان يقول لشقيقه الخائف الذي لم يكن له من الأمر شيء واعتقل بسبب قرابته منه فقط: لا تخف يا أخي الصغير، سوف تخرج من المعتقل وبعد سنوات سوف تمشي في الأسواق وتقول للناس أنا أخو الشهيد فلان وسوف تبحث عن امتيازات باسمي. «بطرس سوف ينكرنا ثلاث مرات؛ مرة في السجن، وأخرى في المواجهة، وثالثة حين نخرج من السجن، طالما حرس القيصر وكهنة المعبد ما يزالون يحكمون أورشليم، وبعدما يصيح الديك معلنا فجر الأمان؛ سوف يخرج حينئذ في الشوارع والطرقات ويقول أنا تلميذه المقرب وحواريه، ويجول في كل مكان ليكرز باسمه ويقول خذوا دينكم مني أنا الباب المؤدي إليه، ويبدأ في توزيع صكوك الغفران ويعطيهم شهادة نعيم يحوزها بعيدا عني.»

صور مأساوية كانت تحملها كل مواجهة، إحدى العوائل أبلغت بأن تأتي إلى السجن لتستلم جثة ابنها إلا أنها فوجئت بابنها يدخل عليهم، فأغمي على رب الأسرة في الحال وسقط مغشيا عليه، وحار الأهل بين الترحيب بابنهم المغيب منذ سنوات وبين إسعاف الأب المغمى عليه. إلا أن أشدها مأساوية كانت يوم رفضت أم تصديق ابنها حين واجهته؛ لأنه كان طفلا قاصرا حين الاعتقال بعمر ثلاث عشرة سنة تقريبا وتقدم إليها في المواجهة - وهو شاب عشريني - بشنب خطته عليه سنوات الألم، وذقن مرسل من حزن الفراق وهو يناديها باسمها: «أماه يا أماه، أنا وليدك الصغير.»

محاولا الارتماء في حضنها عائدا لطفولته التي أريقت في هذا القبو المظلم. الأم المفجوعة بصغيرها كانت تبعده عنها، وتقول له: «أنت ماكر محتال، ابني طفل صغير، وأنت مزيف عميل للأمن، يريدون أن يستبدلوك بابني ليقتلوه.» جلسا على التراب أحدهما قبال الآخر في حالة انهيار شامل، هي تبكي شوقا لأمومتها التي عجزت لسنوات أن تمنحها لصغيرها وهو يبكي حنانا مفقودا. السجناء وبعض من الزوار متحلقون حولهما في مشهد مفجع. كانوا مثل بندول يتأرجح بين بكاء على حالهما وبين محاولة لإقناع الأم بأن صغيرها قد عاد إليها، لكنه لم يعد يجري وراء الكرة مع الصبيان في الأزقة، ولا يلعب بالكرات الزجاجية الملونة (الدعبل) في الحواري؛ غدا شابا مثقلا بالهموم يحمل عذابات لم يقو على تحملها كهلة وشيوخ.

لا أنسى يوما كنت أنتظر دخول أهلي وإذا بامرأة تبكي تقترب مني وتسألني عن فلان وفلان وفلان وفلان وفلان، نعم خمسة لا أعرفهم ولا سمعت بأسمائهم من قبل، سألتها: «من هؤلاء يا أماه؟»

قالت - وهي تولول - والدموع تغسل وجها من غبار الزمن: «أبنائي الخمسة؛ لما سمعت أنكم في مواجهة، قلت: لا بد أن يكونوا معك، فهل تعرفهم يا ولدي؟»

افترشت التراب تبكي وأنا أقف على رأسها أنقل لها أسوأ خبر يمكن أن تسمعه، أن لا أحد منهم هنا. نحرت آخر آمالها على التراب بين قدميها وهي تهيله على رأسها وتولول: إلى أين أذهب حتى أعثر عليهم يا أماه.

Неизвестная страница