Из трещин темноты: история заключенного, в которой самое тревожное — то, что она еще не закончилась

Нахид Хинди d. 1450 AH
58

Из трещин темноты: история заключенного, в которой самое тревожное — то, что она еще не закончилась

من شقوق الظلام: قصة سجين أكثر ما يؤرق فيها أنها لم تنته بعد

Жанры

وبالفعل بعد سنين اعتقلوني ثانية وبدأ التعذيب الذي تعرفه، طالبوني بأسماء الخلية الحزبية، حينها تذكرت ابن عمي على الفور وقلت لنفسي: ها قد جاء وقتها الآن، ولأدعو ابن عمي ليتنعم بضيافة الحكومة ورفاهية عدالتها، فقلت للمحققين على الفور: «إن ابن عمي فلانا معي في التنظيم.» وكما ترى هو معنا الآن ومحكوم بالسجن المؤبد، ليس هو فقط، بل اعتقلوا معه ابنه بعد ذلك وصار يحسب الآن من العوائل المعارضة الحاقدة على الحزب والثورة. ضحكت كثيرا وشعرت بالأسف عليه في الوقت عينه، وأيضا بالغضب على هذه الطريقة العشوائية في تصفية المعارضة وعلى وحشية التحقيق وإصدار الأحكام ضد المعتقلين.

كان قسم الحجر الصحي (المحجر) مثل كل الأقسام الأخرى يضم كثيرا من السجناء ممن لا شغل له بالمعارضة أو السياسة. وظل هذا الجمع على حاله نفسها حتى بعد كل سنوات السجن؛ لأنه لم يكن يفكر بالشأن العام بالمطلق ولا هو من أولوياته.

هناك أناس كثر يعيشون لذاتهم فقط وهمومهم ذاتية، لا يفكرون إلا بما يتعلق بها، قد يرى طيبا وديعا مسالما، إنما ليس مستعدا للدفاع عن مظلوم ينتهك حقه أمام عينيه، ويصنف الدفاع عن المظلومين في خانة الأشياء التي لا تعنيه ولا يشغل نفسه بها، إلا من باب التأسف فقط. وحين تزداد قوة الظالم وشراسته يستشعر هؤلاء المسالمون أن خطره بات قريبا منهم بسبب قسوة واستخفاف السلطة القمعية بكل القوانين، هذا الصنف من الناس يبدأ حينئذ - وخلاف المنطق - بلوم معارضي السلطة والمحتجين على إجراءاتها، وينسبون لهم تهمة إنتاج هذا الوضع الخطر بدعوى إثارتهم المشاكل ومشاكسة القانون، ويبدأ هذا الصنف من الناس حتى بتبرير هذه القسوة المفرطة من النظام. وكان معنا في السجن كثير من هؤلاء الناس، فهم رغم طيبتهم ووداعتهم الظاهرة إلا أنهم ليسوا بذي اهتمامات عامة ولا يملكون وعيا رغم ادعاء البعض ذلك لنفسه.

في السجن كان هؤلاء أحيانا يشكلون عقبة حقيقية أمام أفعال تحدي الجلادين التي يتصدى لها بعض السجناء الشجعان. وبعد كل معاناة السجن الرهيبة ورغم اختلاطهم بشخصيات سياسية مؤثرة فيه، إلا أن هؤلاء لم ينخرطوا في أي نشاط عام، وما إن خرجوا حتى ذابوا في المجتمع دون أي تأثير وما استطاعوا أن يحولوا مظلوميتهم إلى قضية، بل تحولت إلى مجرد ذكريات مريرة لا يتمنوا أن تعاد عليهم مرة أخرى.

بالمقابل كان هناك أشخاص كثر منخرطون جدا بالشأن العام وهم من أعطى للسجن طابعا خاصا، وهم من حوله إلى مدرسة فكرية سياسية وفي هذا كلام كثير سوف يأتي وقته.

هناك قسم ثالث ليس بالقليل ممن دخل السجن بلا قضية حقيقية لكنه كان كمن تلقى في السجن تدريبا وتعليما من خلال مخالطته سجناء آخرين، وانتفع من ذلك ليصبح شخصية رائدة في مجتمعه ويعمل بوعي وإخلاص لتغيير واقعه.

أما القسم الرابع: فكان ممن خرج من السجن مبغوضا مذموما لأفعاله الخسيسة التي قام بها في السجن من سعي ووشاية لرجال الأمن، أو قام بأفعال قبيحة يندى لها الجبين، ومن حسن الحظ أن هؤلاء كانوا نسبة قليلة جدا معروفين بالأسماء على نطاق واسع جدا بين كل السجناء. الكل كما كان يعرفهم، كان يحتقرهم ويتحين الفرصة للحد من تأثيرهم.

المحجر كان يعيش بحبوحة أمنية، لتخوف رجال الأمن من عدوى المرض وانتقاله إليهم، وتولى الإشراف عليه مراقبون وخدمات صالحون أغلقوا كل المنافذ أمام السعاة والوشاة. وفي أحد الأيام دلف إلينا واحد من هؤلاء السعاة، فأطلقت صفارة الإنذار بين السجناء بالإشارات والغمز، وكان لا بد من توخي الحذر إلى أقصى حد. بالمقابل كان لا بد من معالجة سريعة للموقف؛ إذ هكذا نوع من البشر يعيش على إثارة الخوف عند الآخرين ويبرز وجوده من خلاله، وعلاج ذلك يكون بنقل الخوف إليه لإيقاف عدوانيته وخطره. ومن العسير جدا تصديق الفكرة الساذجة التي تروج أحيانا بأن هذا النوع الخبيث يتوب عن جرائمه ويتحول إلى جزء صالح في المجتمع لو عومل جيدا. هكذا نوع أفضل ما يمكن فعله له هو نزع أنيابه لا تغيير طباعه التي جبل عليها، كما يروج بعض السذج وقليلو الخبرة. الانتقام صحيح إنه لا يحل المشاكل معه، لكن العقوبة القاسية تجعل خبيئته الخبيثة تتحجر في داخله ولا تجد منفذا للخروج. إن هؤلاء الناس بلا قيم أخلاقية وهمومهم مادية نفعية كلها؛ ولذا فإنهم ينتهزون أي فرصة لتحقيقها بغض النظر عن طبيعة أو مشروعية هذه الوسيلة. ولما كانت همومهم مادية نفعية فإن السلوك الأجدى بالتعامل معهم هو تهديد هذه الطموحات وحرمانهم منها، وسوف تجدهم حينئذ سلسين مطيعين، لكن الحذر كل الحذر منهم فإن طبعهم الرديء سوف يطل برأسه القبيح إلى عالم الخبث والجريمة في أول مرة يرى العيون قد غفلت عن طبعه الماكر.

وهكذا كان، إذ حوصر هذا الخائن بأعين تنظر إليه شزرا، توجس شرا كبيرا وأيقن أنه بات بين فكي مجرشة صماء سوف تطحنه وتحيله دقيقا ناعما تطؤه كل الأقدام وتذروه بعدها الرياح. ومما زاد من مخاوفه أن الحلقة الملتهبة كانت تتسع ولا يجد منفذا منها، ورغم اقترابها الشديد منه فإنها لا تطبق على رقبته، مما أدخل على قلبه رعبا مضاعفا، وصار الهلع فراشه والفزع لحافه. وصار متيقنا من انتهاء أسطورته وصار جل حلمه ألا يهلك تحت أقدام ضحاياه.

أصدر مراقب الزنزانة له أمرا بأن يتخذ من جوار المرحاض مضجعا له في أسوأ مكان يمكن أن ينام فيه السجين، وأدرك عندها وهو يرى مكانه أن أيامه السوداء قد ابتدأ عهدها الطويل. قاطعه الكل، لا يكلمه أحد ولا يتعامل معه أحد أبدا، إلا المراقب الذي كان يوجه إليه أوامر أكثر مما هي تبادل حديث معه.

Неизвестная страница