Из трещин темноты: история заключенного, в которой самое тревожное — то, что она еще не закончилась
من شقوق الظلام: قصة سجين أكثر ما يؤرق فيها أنها لم تنته بعد
Жанры
لم يتسن لي أن أتفحص ملامح هذه الحجرة الرهيبة أبدا؛ إذ حال عني ذلك عوازل غلفت عيناي كالمعتاد، لكني لمست كل ركن وزاوية فيها بآلامي وصرخاتي، وبدمائي التي صادفت جدرانها تروي لها شيئا من مشاعر متلاطمة كانت تتوزع بين ألم من عذابات تجرعتها، ومن شفقة على جلاد كان يرهق من إيقاع العقوبة بي لجرم ارتكبته بإدمان، وما زلت أفعل حتى اليوم بالزخم عينه؛ جرم شبق الحرية والإصرار على بلوغ قيم الإنسانية إن لم يكن في حدود العالم الذي أقطن فيه، فعلى الأقل في حدود نفسي. لم ولن أتنازل عن ذلك أبدا، وإن قدر لي التنازل يوما ما عنه، فالموت حينها خير لي من الحياة؛ لأني أكون قد مت فعلا.
في الليل اقتادوا أحد الرفاق إلى حيث لا أدري (وقتها لم أكن قد تعرفت بعد عليها ولا هي عرفتني)، وتبين فيما بعد أنها الغرفة العلوية المقصودة التي سوف أكون ضيفا مدمنا عليها. بعد ساعات عادوا به ثانية، كان صدى ألمه يشق كثبان الظلام، ويحفر أخدودا في صخر الضمير الإنساني المعطل. انتابتني رعشة خوف غريزي من مواجهة الألم وتزايد خوفي وهلعي، وأنا أنصت إليه وهو يطلب من السجان أن يرفع عن عينيه الخرقة التي تعصب عينيه؛ لأنه بات عاجزا عن رفعها. يا للهول! ماذا فعلوا به فأضحى لا يقوى على إزاحة عصابة يمكن حتى للطفل الرضيع أن يرفعها؟ سؤال وجهته لنفسي، لخص كل الخوف الذي انتابني وقتئذ، حينها سرت في قشعريرة أرجفتني وصرت مثل سعفة صغيرة وقعت في مجرى ريح مدارية.
ازدحمت مخيلتي بصور لم أشاهدها بعد، يكسوها ثوب واحد هو القسوة المفرطة؛ قسوة استحكم الفشل في إيجاد أي عذر لها أو تبريرها، وإن وجد أصحاب السفسطة والجدل الفارغ ذريعة في كل مرة لهذا العنف البهيمي الذي يتمثل على أيدي من يعدونه بشرا، أو ينسبونه ظلما زيفا وزورا للبشر، وهو فعل لا يليق إلا بوحوش أسطورية من صنع ساحرة شمطاء تسكن خربة مهجورة مأوى للخفافيش طيور الظلام.
جاء دوري أخيرا، صعدت سلالم متعددة، وطلب مني مرافقي من الحرس أن أحصي ثلاث عشرة درجة في كل مرة حين أرتقيها، كنت أظنه يسخر بي كالعادة، لكن عندما تعثرت في آخر درجة بعد أن أخطأت الحساب وهوت قدمي في الفراغ تبحث عن الرقم المفقود في عدد درجات السلم وبخني على ذلك بوكزة في خاصرتي.
أدخلت على الضابط «ع. ع.» وهو رجل كما به بدانة واضحة فكذلك به قسوة مثلها وأكثر. عرفت أوصافه من اللقاء الأول. هذه المرة تعرفت عليه من صوته المميز، بت أنظر إلى العالم من أذني.
بادرني بسؤال قصير وبلا مقدمات: «من مسئولك في التنظيم؟» - «مستقل ...» بلا تردد وبحسم سريع رددت له الجواب.
وقبل أن تصل كلمات جوابي إلى أذنه الصماء عن سماع هذه الأجوبة، كانت قبضة كأنها من الفولاذ ترتطم بمعدتي بعنف شمشوني، سحبني الوجع إلى الأرض وهويت سريعا مثل حجر يصدم الأرض نازلا من برج عال بسقوط حر، وتكومت عليها مثل كيس رمل بهيئة إنسان، لترفعني في الحال ذراعان كانتا تمسكان بي من الجانبين.
صاح بهم آمرا بغضب: «خذوه!»
أصعدوني سلما صغيرا، وارتكب الحديد معي خطيئة أخرى؛ إذ لم يكفه قيد المعاصم كما فعل من قبل، بل علقني هذه المرة إلى سقف غرفة متشبثا بجامعة القيد التي حبست ذراعي من الخلف، واتكأت قدماي على الفضاء وفوقها كان يقف جسدي تؤرجحه فنون التعذيب.
حلت لحظة مواجهة مع الذات عادت بي إلى بواكير قصة الإنسانية الأولى، عندما جردوني من الثياب تماما. لم يعترني الخجل كما أرادوا لي ذلك من فعلهم وقلت لنفسي مشجعا: الملابس هي ورق جنة آدم المزيفة، وأولئك الملتحفون بالكثير منها إنما يفعلون ذلك ليخفوا قبح سوءة الخطيئة التي تغمرهم، ومن كان بريئا لم تدنسه الخطايا فلا تعوزه وليس بحاجة لها.
Неизвестная страница