От передачи к творчеству
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٣) التراكم: تنظير الموروث قبل تمثل الوافد - تنظير الموروث - الإبداع الخالص
Жанры
وبالرغم من أن «تهافت التهافت» نقد للنقد في علوم الحكمة إلا أن حضور الموروث فيه يجعله أساس النقد خاصة ألفاظ الشريعة والشرع ومصطلحاته وعباراته وكأن ابن رشد يتعامل مع الحكمة بمنطق الفقيه. ويحيل ألفاظ الحكمة إلى ألفاظ الشرع، وألفاظ الوافد إلى ألفاظ الموروث ما دامت المعاني واحدة. فما سماه الوافد القوة الفاعلة سماه الشرع الإرادة. لقد أتى الشرع بألفاظ لمعاني وحقائق موجودة سلفا مثل القوة الطبيعية والعلل الفاعلة. ومن ثم يتفق الشرع والفلسفة في المعاني وإن اختلفا في الأسماء والمصطلحات، بداية التشكل الكاذب. كما أطلق الوافد اسم الموروث على ما عناه الشرع باسم الخلق والاختراع والتكليف. ألفاظ الشرع خاصة وألفاظ الحكمة عامة. ومن ثم يمكن فهم الحكمة فهما صحيحا عن طريق معرفة مصطلحاتها. فالألفاظ الموروثة استعمالها شرعي كما هو الحال عند ابن حزم، واستعمال المتكلمين عامة والأشاعرة خاصة وأبي حامد بوجه أخص استعمال غير شرعي.
81
ويستعمل ابن رشد ألفاظ الشرع والشرائع والشريعة والصفات الشرعية وشرعي بمعان متقاربة وإن اختلفت الصياغات بين المذكر والمؤنث، والمفرد والجمع، والاسم والصفة.
82
ويستعمل ابن رشد الأمثلة الشرعية لشرح المسائل الفلسفية مثل استعمال موضوع الطلاق والشروط لشرح علاقة الله بالعالم. فقد رفض ابن رشد مثال أبي حامد والأشعرية من ورائه في الطلاق لقياس العالم قدما وحدوثا، وتأجيل الخلق حتى حدوث الشرط مثل تأجيل وقوع الطلاق بعد إطلاق اليمين لحين دخول الدار. فعند أهل الظاهر يقع الطلاق في الحال لأن الأمر في الوضعيات غير الأمر في العقليات. وهنا يبدو ابن رشد ظاهريا في الأندلس أكثر منه عقليا في المشرق. كما يضرب الأمثلة بالشفع والوتر في صياغة حجج لبيان استحالة الموقف الفلسفي، فهم حركات الأفلاك في معرض الدليل الأول على قدم العالم. وأحيانا تكون الأمثلة الفقهية غاية في ذاتها، مجرد بناء عقلي يفيد على نحو غير مباشر في علوم الحكمة مثل أفعال الصلاة ومقارنتها في عديد من الشرائع.
83
وهناك حكم شرعي في تناول هذا الموضوع عرضه ابن رشد في «فصل المقال» ونبه عليه في «تهافت التهافت»، ومارسه بالفعل في «مناهج الأدلة». ومن أفتى فيما لا يعلم أو من أتى بفعل بغير شرط يكون فسادا في الأرض. ويظل الموضوع الغالب على استعمال لفظ الشرع معنى النقل في الموضوع الكلامي من العقل والنقل الذي يسميه ابن رشد الحكمة والشريعة أو ما سماه الفلاسفة قبله الفلسفة والدين، وهي المسألة المنهجية في الكلام والفلسفة والتصوف والأصول. وهنا يبدو ابن رشد فقيها ينظر إلى الموضوع نظرة الفقيه لمعرفة حكم الشرع في المسألة وكأنها مسألة فقهية صرفة وكما بين ذلك في «فصل المقال». وهنا لا تبدو المسافة بينه وبين أبي حامد كبيرة. فهو يوافق على قوله إن كل ما قصرت على إدراكه العقول الإنسانية يرجع فيه إلى الشرع، وأن الوحي جاء متمما للعقل، وكل ما عجز عنه العقل أكمله الوحي سواء كان هذا العجز بسبب نقص الفطرة أو بسبب نقص التعلم. وكيف يكون ابن رشد عقلانيا وهو يقول بقصر العقول في مدارك الشرع مما أوجب إكماله به؟
84
ويؤكد ابن رشد موقف الحكماء في قسمة الناس إلى عامة وخاصة، حكماء وجمهور. حق الخاصة وحدهم التأويل، وللجمهور ظاهر الشرع. الخاصة تقدر على المسائل النظرية البرهانية في حين أن العامة في حاجة إلى الأقوال الخطابية والتوجهات العملية. عند الخاصة الإيمان برهان وعند العامة يقين. وترجع هذه الثنائية إلى طبيعة التلقي ومستوى التعليم وليس إلى النص في ذاته. ترجع إلى القارئ وليس إلى المقروء. ظاهر الشرع يغني عن كل الوافد الذي لا يقوى عليه الجمهور. وفرق بين وضوح الشرع وغموض الوافد. وإن الفلاسفة الذين حاولوا اتباع الوافد أضاعوا اليقين الفلسفي، وفقدوا ظاهر الشرع. لقد تحدث الشرع عن الحدوث بالمعنى الشائع، تغير الكائنات وحدوثها من عدم. أما كيفية خروج الممكن من الضروري فقد سكت الشرع عنه لبعده عن أفهام الناس، وبالتالي فإن معرفتها ليست ضرورية لسعادة الجمهور. وأما محاولات الأشعرية فإنها خارجة عن شريعة المسلمين ولا تقوم على برهان. وحكم الشرع في ذلك هو النهي عن الدخول فيما سكت عنه الشرع، وبالرغم من أن القياس هو إيجاد حكم على ما سكت عنه الشرع، قياس للفرع على الأصل.
85
Неизвестная страница