رأيت الكثيرين من «صغار العمال» - بله الكبار - غارقين إلى آذانهم في أموال الدولة، وهم يشعرون شعورا ليس عميقا فقط، بل من أعمق الأعماق، إنهم ليسوا غرباء عن المهمة التي يقومون بها، وإن لهم في كل مشروع دورهم وفائدتهم ... فقلت في نفسي: وما حاجتنا إذن إلى هذه المبادئ الروتارية ما زالت تطبق عندنا «رسميا» ... إننا أحوج إلى روتاري من نوع آخر. إلى روتاري يفهم هؤلاء أن يقللوا من «الخوش بوش» بينهم وبين صناديق الدولة.
ألا يوجد إثراء عاجل على حساب الأخلاق إلا في التجارة!
مساكين التجار، قد يخسرون كل شيء حتى رأس المال، أما من كانت «أيديهم» رأس مالهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
4 / 5 / 50
ديش باره سي
إذا كنت من الذين يعومون على وجه «الجراب» فإني لست منك ولست مني، تعمق ولا تكن سطحيا فليس على الوجه غير الخبز اليابس.
من جراب اليوم حديث جرى - في ذلك الزمان - مع بيك سطمبولي أصيل، كتب على صلعته الواسعة «ضرب في القسطنطينية» كلفه اللقب والنيشان والرتبة الأولى المتمايزة نصف ثروته الضخمة، فرحل في سبيل ذلك، الرحلتين، رحلة الشتاء ورحلة الصيف.
كان يلذ لي حديث سعادته لما شيخ، فكنت أسهر عنده كلما استطعت ، وكان يعجبني منه رد التحية فيقع في قلبي بردا وسلاما، والتفت بمن لم يكن دار على لسانهم - بعد - لقبي الطازه لفتة معناها: سمعتم! تعلموا الذوق من صاحب الرتبة المتمايزة، فهو لا ينسى اللقب مثلكم.
تلك أيام يرحمها الله، كنت فيها حديث النعمة وكان البيك بروتوكوليا من الطراز الأول، كان - رحم الله عظامه - جميل الوجه، طلق المحيا واللسان، عرك السياسة وعركته، يهندم لحيته التي أطلق سبيلها بعد اللقب والرتبة على النسق التركي فتخاله صدرا أعظم أو وزيرا على الأقل. تخلع هامته الضخمة على محضره الأبهة والوقار فتندلق المهابة حوله وحواليه. أما حنجرته فعريضة وصوته جهوري لا بحة فيه مثل صوتي، فإذا ما سمعته قبل أن تراه تحسبه لصفاء صوته ببغاء تتكلم.
واجتمعنا مرة في أجر - مأتم في اللغة الفصحى - فهرعت إلى حضرة البيك حيث كان يشرب القهوة بعد الغداء والدفن، تلك عادة مقاطعتنا ولا تزال، فرحب بي ترحيبا جميلا - أي لم ينس اللقب - وبعد التأهيل ابتسم وقال: اشتقت إلى حكايات سطمبول؟ سماع، عندي اليوم واحدة تعجبك، تذكرتها عندما رأيت «المغلفات» توزع على المحترمين بعد الغداء.
Неизвестная страница