وقد أقبل «جان» وعهد إليه صديقه بقضاء هذه المهمة فيأبى ثم يقبل، ونحن نرى أنه قد تألم كثيرا، وقد تغيرت حاله حتى أنكره الأصدقاء.
وقد خرج الزوجان وتركاه وحده يتردد في الغرفة ذاهبا جائيا، ثم يجلس إلى «البيانو» ويأخذ في الإيقاع الذي كان يوقعه في الفصل الأول.
ومن هنا تحسن القصة حقا، وتخلص من التكلف والتصنع، وترقى إلى الخيال البديع المؤثر.
هو إلى البيانو في إيقاعه، وإذا «سسيل» قد أقبلت، فتقف كما كانت تقف، وترافق كما كانت ترافقه، ويحس بها فيلتفت وقد بلغ التأثر منه ومنها أقصى مبلغ، وكأنهما قد نسيا كل شيء لحظة، وخيل إليهما أنهما في عهدهما القديم، ثم يفيقان فيبتادلان أسئلة وأجوبة قصارا، ثم يعرض عليها ورقة تركها زوجها القديم لتمضيها، فتقرأ فإذا هو يعلن أن يزيد راتبها على أن تعيش عيشة امرأة شريفة، فتمضي معلنة في سخرية أنها تؤجر على الشرف في حين يؤجر غيرها على الإثم.
ونحن نحس أنها لا تملك نفسها من التأثر والاضطراب، وأن صاحبها لا يملك نفسه أيضا، وقد أمضت وخرجت متعجلة؛ لأنها مدعوة إلى الشاي، فنسيت أحد قفازيها، فيهوي إليه «جان» ويحمله إلى فمه يقبله باكيا، وكأنها ذكرت ما نسيت فتعود غير منتظرة، فترى ... فتطلب قفازها، فيدفعه إليها، ثم تطلب إليه الورقة التي أمضتها، فإذا دفعها إليها مزقتها تمزيقا، فإذا سألها عن ذلك أخبرته أنها ليست في حاجة إلى هذا الراتب، وأنها مخطوبة، وأنها ستتزوج من رجل غني.
فقدر أنت وقع هذا في نفس «جان»، وهي تريد أن تمضي ولكنها لا تستطيع، وهي تتحدث إلى «جان» حديثا قصيرا فيه إبهام وغموض، وفيه جلاء ووضوح، ولكنها لا تلبث أن تفاجئ «جان» بأنها تعلم ما في نفسه حق العلم، وتقدر أن تألم ألما لا حد له، وهي تعلم من أمره كل شيء، وهو يعلم كذلك كل شيء، وقد أجلسته في المكان الذي تعود الجلوس فيه من قبل، وجلست أمامه كما كانت تفعل، وأخذت تتحدث إليه لينة مرة عنيفة مرة أخرى، معلنة إليه أنها أحبته منذ ست سنين حين كانت خطبا لزوجها، ولو قد دعاها في ذلك اليوم لأسرعت إليه، ولكنه لم يفعل إيثارا لمودة صاحبه، وهي مازالت تحبه، وترى زوجها صديقا ليس غير، وهي لم تخن زوجها وإنما خانته هو، وإذا هو ينكر أن تكون قد خانته، ويزعم أنه كان مخطئا كذابا، وهي تؤكد له أنه لم يخطئ ولم يكذب، فيجيبها بأنها إن كانت آثمة فهو يحب الإثم، ويكره الفضيلة، وإن كانت كاذبة فهو يحب الكذب، ويكره الصدق.
وينتهي بهما هذا الحوار إلى شيء من الذهول، يدفع كل منهما إلى صاحبه، وإذا هما قد اعتزما السفر معا، واستئناف حياة جديدة فيها الحب الصريح الذي لا تكلف فيه، ولا غشاء عليه، ولكنها تذكر أنها تعرف من أمره ومن خلقه ما تعرف، وأنها تؤثر أن يكون الزواج بينهما قبل السفر، فلن يعيشا خليلين، فيفيق عند هذا ويذكرها بخطبها الغني، وما أنبأته به من الزواج، فتضحك وتعلن إليه أنه هو خطبها، وأنه سيكون زوجها، وأنها قدرت ذلك كله منذ رأته، وهما يتهيئان للخروج وإذا الأستاذ قد أقبل ومعه امرأته الجديدة، فيدهش وتدهش امرأته، ولكنها تقبل على «سسيل» لتحييها كارهة ، وهي تلتمس لها اسما تدعوها به فلا تجد، فتجيبها «سسيل» أن انتظري أياما فستدعينني «مدام دي فيلييه»، فانظر إلى ابتهاج الأستاذ وإلى قوله: «لقد أضعتما الوقت في انتظار هذا اليوم، وما كان أحراكما أن تصلا إليه منذ أمد بعيد.»
ظهر حديثا
قصة تمثيلية للكاتب الفرنسي «أدوار بورديه»
بهذه الجملة تعنون الإعلانات التي تنبئ الناس بظهور الكتب في فرنسا، وقد اتخذها الكاتب الفرنسي أدوار بورديه عنوانا لقصة تمثيلية، دهش لها الباريسيون أشد دهشة، ثم أعجبوا بها أعظم الإعجاب، وكان الأدباء أشد الباريسيين دهشا لهذه القصة، وأكثرهم بها إعجابا؛ ذلك لأنهم رأوا فيها أنفسهم، فمنهم من أعجبته صورته فرضي، ومنهم من لم تعجبه صورته فسخط، ولكنه لم يستطع أن ينكرها ولا أن يخفي ما بينها وبينه من المطابقة فاضطر إلى الإعجاب في شيء من التحفظ قليل أو كثير.
Неизвестная страница