لقد نشأ في بيت رفيع العماد، عالي الذرا، ثم كان له ولأخته ما خلف أبوهما من ثروة ومال، وكان تلميذا في المدرسة يوم مات أبوه، وكانت أخته مسماة على الفتى الذي صارت له من بعد ...
وآلت ثروة أبيه جميعا إليه، وإنها لثروة، وهجر الفتى مدرسته ومضى على وجهه يبيع اللذات ويشتريها، ونصب له الشيطان حبائله من الفراغ والشباب والمال ...
وانتقلت أخته إلى دار زوجها، وخلفت قصر أبيها بما فيه، ولكن قصر أبيه كان أضيق من أن يتسع له، فأغلق بابه ومضى يتنقل بين أندية اللهو ومجالي الهوى ومسارح الشباب، وبسط يده على موائد الشرب والقمار، وتقاذفته الأقدار، قدر يفضي إلى قدر، وأغمض عينيه وسبح في أوهامه، وطارت به أمانيه ثم سقطت، وفتح عينيه فإذا هو وحيد شريد صفر اليدين من المال والصحاب ...
وذكر أخته بعد سنين من القطيعة، فراح يشكو إليها، ودمعت عينا السيدة رثاء لأخيها وشفقة عليه، ثم ذهبت إلى صوانها ففتحته وعادت له بما تملك.
وخرج الفتى من مجلس أخته برأس مال صالح لو أنه أراد ... وكان يريد، ولكنه رأى أن يودع ماضيه بليلة ساهرة من ليالي الهوى والشباب، ثم يصبح ...
وأصبح ... وعاد كما بدأ ...
واستمرت الكرة تتدحرج ...
وعاد «عباس» إلى أخته بعد شهر، وقال لها وقالت له ... ونهضت إلى صوانها، ولكنها عادت في هذه المرة ويدها فارغة. وعاد زوجها من عمله، والتقى الثلاثة لقاء الأهل بعد فراق طويل ... وأسرت الزوجة حديثا إلى زوجها، وباحت له بما باحت وكتمت عنه ما كتمت ... وأخذ الثلاثة في حديث طويل ... ... وقال الزوج لصهره: «... نعم، مني المال وعليك العمل، إنها تجارة رابحة، وإنك بها لخليق أن تبلغ الغنى في سنوات لو أنك حرصت ...»
وتعاهدا على الإخلاص والصدق، ووثقا عقد الشركة بالأيمان، ودفع الزوج المال وخرج عباس لأمره ... ولكنه لم يعد ...
لولا الشهامة والبقيا لكانت القاضية بين الزوجين، ولولا دموع السيدة ... وهم الطبيب أن يرفع أمره إلى القضاء، ثم سكت، وماذا يرد عليه القضاء من ماله وإن غريمه لمفلس لا يجد رمقه ...؟
Неизвестная страница