أهذا إنسان من خلق الله أم من صنعة البشر؟
إن له عينا تنظر، وأذنا تسمع، ويدا تبطش، ورجلا تمشي، ولكأن في هذه الكرة التي تحملها هاتان الكتفان عقلا كعقول الناس؛ فبه يفكر ويعمل، وبه يحس ويتألم ...
ولكنه إلى ذلك ليس إنسانا كالناس، وإلا فما بال هذه السيدة الجالسة هناك لا تكاد تحتشم في مجلسها منه ...؟ إنها لتخلع وتلبس على عينيه فما يختلج له طرف ولا تبدر منه حركة ولا تصطبغ وجنتاه من حياء ...!
وهذا الرجل يعرض مباذله تحت سمعه وبصره فلا يستحيي أن يقول لزوجته ويسمع منها، فإذا خفقت نعل صغيرتهما قادمة تواريا وأتما حديثهما في همس ...!
وما باله واقفا موقفه ذاك في زاوية الحجرة لا يتحرك نبضة عرق ولا خفقة نفس ...؟
وإن على صدره لسربال خادم، وإن في يده لمنفضة من ريش ...!
هذا جرس الباب يرن، وها هو ذا «روبرت» يضع المنفضة من يده ويسرع إلى الباب، وها هو ذا يعود وفي يده بطاقة، وها هي ذي سيدته تعرك زرا في صدره، فيعجل إلى الباب فيستقبل القادم ويقوده إلى الثوي في انتظار مضيفه ...
إن الناظر ليوشك أن يحسبه إنسانا من خلق الله، وما هو بإنسان، ولكنه «شيء» من صنعة البشر ... إنه «مستر روبرت»، ومن ذا لا يعرف مستر روبرت الخادم الصامت المطيع؟
إنه آخر ما أنتجته مصانع أمريكا من فنون الأعاجيب، وإنه لخادم السيدة «إنصاف» بعدما ضاقت بالخدم من البشر وضقن بها ...!
كانت السيدة «إنصاف» مرهفة الحس، دقيقة الشعور، سريعة الغضب، قليلة الرضا، فلم يكن ليعجبها شيء في حياتها؛ فإن نفسها لتهفو إلى الشيء البعيد لا تملكه، فإذا حازته وحصل لها فما هو بالشيء الجميل بعد، ولكنه كله عيوب وقبائح؛ وإن الفستان الجميل ليعجبها على صديقتها فتذهب تلح في طلب مثله، فما هو إلا أن تناله حتى يبدو لها سخيفا، حائل اللون، قليل القيمة، لا يليق إلا للخدم وأشباه الخدم !
Неизвестная страница