وكنست، ونظفت، وهيأت فراش الضيف، وجلست تعد الساعات وتهيئ برنامج الاستقبال، ونامت ليلتها تحلم ...
ومضى اليومان وحل الميعاد، وجلست الأم وراء الباب ترقب مقدم فتاها وقد هيأت ما هيأت لاستقباله ...
كذلك تفعل كلما حان موعد زيارته، وإن له زيارة في كل شهر. •••
وتلقت الأم ولدها بالترحيب والعناق، وكأنما عاد إليها الشباب، فإن في عينيها بريقا، وفي خديها حمرة، وعلى شفتيها ابتسام، وفي جبينها ألق.
وجلس إليها ساعة يحدثها وتحدثه، ثم نهض يتهيأ للخروج ليجول في المدينة جولة، ومشى يختال في زيه وزينته، وأمه تشيعه بعينيها من النافذة فرحانة!
لا عليها مما تقاسي من الجوع والظمأ والحرمان وإنه لسعيد. حسبها من سعادة العيش أن يكون ولدها كما يتمنى لنفسه، إنها لتكتم عنه وعن الناس ما تجد من الضيق والحرج وقسوة الحياة. وماذا يجدي عليها أن يعرف إلا أن يحزن ويتألم! ... وتوارى الفتى عن عينيها في منعطفات الطريق، فابتعدت عن النافذة وعلى خديها دموع، وراحت إلى الصوان تفتحه لتخرج صندوقها الصغير؛ الصندوق العزيز الذي يضم ذكريات الماضي جميعا، ويضم أماني المستقبل ...
في هذا الصندوق أهدى إليها زوجها الذي فقدته منذ بضع عشرة سنة هدية العرس الغالية، وفي هذا الصندوق كانت تحفظ ما تحفظ من حلاها وجواهرها يوم كان لها حلى وجواهر، وفي هذا الصندوق كانت تدخر ما تدخر من مال لتنفق على ولديها حتى تبلغ بهما مبلغها ... فماذا يضم صندوقها العزيز اليوم؟
بضعة جنيهات، وقرط مكسور، وسوار من الذهب؛ هذا كل ما هناك ... وإن بين ولدها وبين الغاية التي يهدف إليها بضعة أشهر ... ماذا يجدي كل ذلك؟ ••• ... وتركته في فراشه نائما يحلم، وبكرت إلى السوق وفي يدها قرطها المكسور وسوارها ، تشد عليهما أناملها المرتجفة.
وعادت بعد ساعة ومعها مال!
واستيقظ الفتى ليقص على أمه رؤياه وهو يضحك في مرح ونشوة، ويمنيها بما ينتظر من السعادة يوم يكون ويكون. وابتسمت ...
Неизвестная страница