От доктрины до революции (2): Единобожие

Хасан Ханафи d. 1443 AH
95

От доктрины до революции (2): Единобожие

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

Жанры

وأول درجة من درجات الحس هو تأليه الشخص المتعين الموجود في الزمان والمكان، والمعروف باسمه ووصفه وعينه. هو الشخص التاريخي الذي ولد وعاش ومات، وله أثر وقبر، ومشهد وزيارة. تبدأ عملية التأليه إذن بوجود شخص تاريخي معين يكون مشجبا لتعليق الانفعالات الإنسانية، وبحركة صاعدة من الشخص المعين إلى الشخص المؤله، على ما هو معروف في تاريخ الأديان في تراثنا القديم وفي التراث الغربي بعد أن أصبح أحد روافد فكرنا المعاصر. فقد كان لاوتزي شيخا فاضلا في قريته قبل أن يصير إلها، وكان بوذا معلما فاضلا قبل أن يصبح إلها، وكان المسيح أيضا نبيا مرسلا قبل أن يتحول تدريجيا إلى إله في شعور الجماعة المسيحية الأولى، وهو ما حدث لعلي أو لبنيه أو لبعض الأئمة من بعدهم. فقد كانوا أشخاصا تاريخية موجودة بالفعل بدأت منهم عملية التأليه (فجأة وبلا مقدمات) نتيجة للصدمات النفسية التي حدثت في شعور الجماعة الأولى.

34

وتبدأ عملية التأليه ليس من أي شخص كان، بل من شخص تاريخي معين له بعض الأوصاف أو الشروط منها: (1)

الكمال الخلقي قولا وعملا: وذلك أنه من السهل الانتقال من الكمال الإنساني إلى الكمال المطلق. فغالبا ما كان الشخص المؤله متمتعا بصفات الكمال المادية والمعنوية، مثل الشجاعة والشهامة والقوة أو الحكمة والعلم والتقوى وحب الخير. وقد اجتمعت هذه الصفات في «علي» كما تروي النصوص وكما حفظ التراث المدون والشفاهي على السواء. بل إن هذه الصورة الكاملة للشخص التاريخي كانت باعثا على وضع كثير من النصوص المشابهة التي تذكر فضائله وآثاره وعلمه وحكمته. كما أن الكتب تؤلف باسمه وتنسب إليه.

35

ويساهم الخيال الشعبي في إحكام الصورة حتى تتحول إلى أسطورة خالصة.

36

والآثار المروية في فضائل «علي» لا تعد ولا تحصى. ويمكن تتبع نشأتها وتطورها ووصف عملية الخلق التي قام بها الخيال الشعبي. وتقوى الأسطورة وتتأصل إذا كان بعض هذه الآثار مذكورا في النصوص الدينية التي تؤمن بها الجماعة. تتأكد هذه الصفات وتتحقق في حياة الشخص كما يرويها التاريخ، ثم تتضخم في الأساطير الشعبية التي تحيل الشخص إلى بطل أسطوري يقوم بالمعجزات، ويقرأ الغيب، وينصر المظلوم، ويأتي في المنام متوشحا بالبياض. (2)

الحق الضائع: لما كان هذا الكمال الخلقي يعطي صاحبه نظرا وعملا الحق في الزعامة والأولوية في أخذ مكان الصدارة، فإن الذي يحدث بالفعل هو العكس، زحزحة هذا الشخص عن مكان الريادة فيصبح صاحب حق مهضوم. وبدافع إنساني خالص من نصرة المظلوم ورغبة في الحصول على الحق الضائع واسترداد الزعامة أو بدافع الرثاء والتعاطف والمشاركة الوجدانية يظهرها الأتقياء أو تعبر عنها العامة تنشأ حركة مناصرة واعية أو غير واعية للشخص صاحب الحق المهضوم، وتكون تيارا للمعارضة لها الحق نظرا وإن لم يكن لها الحكم عملا. وتأتي الصور والصيغ من التجارب المشابهة في البيئات الحضارية المجاورة، إما بطريق الأثر والتأثر أو بطريق الاستعارة اللاشعورية. وأحيانا تفرض التجارب الشعورية صورا وصيغا متشابهة دونما أثر أو تأثر أو استعارة.

37 (3)

Неизвестная страница