От доктрины до революции (2): Единобожие
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Жанры
91
أما حكم الحدوث أو الخلق فإنه يعتمد على عديد من الحجج النقلية والعقلية. والحجج النقلية في حقيقة الأمر بالإضافة إلى أنها ظنية متشابهة تنقلب إلى الضد ولها حجج نقلية مضادة، إلا أنها نظرا لارتباطها بموضوع الحرية الإنسانية وهي يقين فإن صحة السمع تقاس على صحة العقل، ويرد ظن النقل إلى يقين العقل.
92
ومع ذلك فهناك أدلة نقلية عديدة تثبت حدوث الصفات وخلقها، وتجعل الذات متفردة بالوعي الخالص الذي لا شبهة فيه ولا شائبة. وتفيد هذه الحجج على أن علم الله، وهي الصفة النموذجية في إثبات الحكم أو نفيه، علم تجريبي بعدي، يتحقق في العالم، ويتغير طبقا لقدرات الإنسان، ويقاس عليها، وهو ما اتضح في «الناسخ والمنسوخ» في أصول الفقه.
93
وقد تحول ذلك إلى حجة عقلية لإثبات حدوث العلم. فما دام يتعلق بالمعلومات، والمعلومات حادث، فالعلم حادث. وقد يكون الدافع على ذلك الحرص على التنزيه، تنزيه الذات من تشبيه الصفات. فإذا كان التنزيه حالة شعورية خالصة لا تعبر عن أي مضمون ثابت في الشعور أو موضوع في العالم الخارجي، فإن كل علم بهذا العالم الخارجي يكون علما بعديا لا قبليا، ومن ثم يكون علم الشعور بها علما بعديا كذلك. وبالمثل يمكن القول بأنه كان هناك شعور عام وهو صورة مطلقة للشعور الفردي، كان ولا شيء معه، فلما حدث الخلق علم به وأظهر قدرته فيه، وبالتالي تكون الصفة أي اسم الفعل تابعة للأشياء لا سابقة عليها. ولما كانت الأشياء مخلوقة فالصفات تابعة للأشياء المخلوقة وتكون مخلوقة مثلها أي حادثة. العلم لا يكون إلا علما بشيء، والقدرة لا تكون إلا قدرة بشيء، ولا بد من وجود الأشياء قبل وجود العلم والقدرة، ومن ثم كان العلم والقدرة حادثين بعد وجود الأشياء. إذ كيف يكون العلم قديما والمعلوم حادثا؟ العلم لا يكون قبليا بل هو علم بعدي خالص. الله عالم بأن العالم قد وجد قبل هذا وهو في الأزل أن عالما به كان جهلا وإن لم يكن عالما كان جهلا وإن لم يكن عالما وكان الآن عالما فعلمه حادث.
94
ولكن يصعب الجمع بين العلم السابق على كون الأشياء والعلم الحادث بعدها، أو إثبات العلم الحادث مع نفي المحل مما يدل على بحث الشعور عن علم استنباطي استقرائي، قبلي وبعدي، وهو علم الوحي أو مبغى الإنسان. إنما تكمن أهمية العلم الحادث في كشفه عن طبيعة العلم البعدي التجريبي، وتقدمه وتجدده باستمرار دونما وقوف أو ثبات مما يوقع في القطعية والتحجر. فتجدد العلم هو أحد معاني تقدم العلم. كان الدافع على القول بخلق الصفات هو تصور العلم على أنه مكتسب تال في وجوده على الموضوع، وهو العلم الاستقرائي الذي يبدأ من الأشياء إلى العقل، ومن الخارج إلى الداخل، ومن العالم إلى الذهن من خلال الحس، وهو الجدل الصاعد في المعرفة. والعلم بالاتصال أكثر دراية من العلم بالانفصال. التماس وسيلة العلم أكثر من التجريد، ويصبح النور حينئذ لغة العلم ووسيلته، فيعلم المعبود ما تحت الثرى بالشعاع المتصل منه الذاهب إلى الأرض كما يحدث أحيانا في أفلام الأبطال وفي التعبير عن معرفة الجن والشياطين. يعلم المعبود بالاتصال بالأشياء بالشعاع النافذ. والشعاع كالنور مماس وغير مماس، ابتعادا عن التجسيم الفاقع.
95
وقد يتحول حدوث الصفات وخلقها في التجسيم إلى حدوث الذات وخلقها، أو قد يكون حدوث الصفات نتيجة طبيعية لحدوث الذات. أما القول بأن الله هو الذي خلق الصفات لنفسها بعد خلق الكائنات فيمكن وضعه على حساب التشخيص.
Неизвестная страница