От вероисповедания к революции (1): Теоретические предпосылки
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Жанры
وقد تختفي الفصول كلية، ويتحول العلم كله إلى أبواب محصاة؛ ومن ثم يبدأ بناء العلم في الظهور؛ فالأبواب تحتوي على الموضوعات، وإن لم تتحول الموضوعات بعد إلى أصول نظرا لأن عدة موضوعات تكون أصلا واحدا، فتختفي نظرية العلم ونظرية الوجود باعتبارهما مقدمتين نظريتين للعلم مما يدل على أن ظهورهما يعد تقدما أساسيا في بناء العلم، خاصة بعد أن اتسعا في فكرنا الكلامي المتأخر، ومما يدل على مقدار التخلف بسقوطهما في فكرنا المعاصر، وقد تبدو بعض مسائل الوجود في التوحيد وكمقدمة له مما يدل أيضا على أن ظهورها في النصف الثاني من القرن الرابع يمثل تقدما أساسيا في بناء العلم خاصة بعد تمددها في علم الكلام المتأخر وابتلاعها نصف العلم تقريبا حتى أصبحت تمثل ثلاثة من مباحثه الستة، ومما يدل على مدى التخلف الذي وقع فيه فكرنا المعاصر باختفائها وتواريها تماما، وتظهر أبواب عشر، تشمل الإلهيات السبع الأولى، والسمعيات الثلاث الباقية؛ فالإلهيات من حيث الكم تمثل تسعة أعشار العلم، والسمعيات العشر الأخير، مما يشير إلى تخلف فكرنا المعاصر الذي قلب الآية، وتجاوزت السمعيات الإلهيات من حيث الكم من كثرة ما ينشر ويذاع في السمعيات، وفي الإلهيات يتميز التوحيد عن العدل، هذا التمييز الذي اختفى في علم الكلام المتأخر والمعاصر، حيث سادت نظرية الذات والصفات والأفعال، وحيث ابتلع التوحيد العدل، مما يدل على تخلفنا عن بعض مواطن فكرنا القديم؛ ومن حيث الترتيب كان للتوحيد الأولوية على العدل، وهو ما ساد العلم منذ بدايته حتى نهايته، وهو أحد أسباب ابتلاع العدل في التوحيد، وأحد أسباب تخلف فكرنا المعاصر. ومن حيث الكم يساوي التوحيد العدل، مما يدل على أن فكرنا القديم قد ركز عليهما معا وعلى خلاف ما حدث في علم الكلام المتأخر وفي فكرنا المعاصر من اختفاء العدل لصالح التوحيد، وقد فصلت مسائل العدل في ثلاث: القدر، والاستطاعة، والتعديل والتجوير. لم يكن العدل مسألة كلية فحسب، بل ازداد تفصيلا وبناء وتكوينا، وفي السمعيات تظهر موضوعات ثلاث فقط: الإيمان والعمل، والمعاد، والإمامة، ولم تظهر مسألة النبوة مما يدل على أنها لم تكن أساسا في العلم منذ البداية، ومما يشير إلى مقدار تخلف فكرنا المعاصر بتركيزنا على النبوات، ويدل ترتيب المسائل الثلاث على أهمية الإيمان والعمل على المعاد، وهو أيضا ما تخلفنا عنه بتواري موضوع الإيمان والعمل وظهور مسائل المعاد في وجداننا المعاصر.
10 (3) من الفصول والأبواب إلى القواعد والأصول
وبعد ذلك ينتقل البناء من الفصول والأبواب إلى القواعد والأصول التي تكون دعامة البناء النهائي، فيظهر علم الكلام مندرجا تحت عشرين قاعدة، تختفي نظرية العلم مما يدل على أهمية الوجود على العلم، وهو ما سيتضح أكثر فأكثر عندما يبلغ الوجود ثلاثة أرباع العلم في القرون الثلاثة التالية، السادس والسابع والثامن، ومما يدل أيضا على عدم رسوخ نظرية العلم كجزء من علم الكلام، ومما يفسر أيضا غياب نظرية في العلم من وجداننا المعاصر، ولكن تبدأ نظرية الوجود، بالإضافة إلى تذييل في الجوهر الفرد في نهاية العشرين قاعدة، والكل يبلغ عشر العلم مما يدل على وجود بوادر لفصل الفكر العلمي في الوجود عن الفكر الديني، فقد كان الوجود دائما مقدمة للإلهيات، حول دليل الحدوث أو الإمكان، وانفصال الجوهر الفرد عن البحث يوحي ببدايات التفكير العلمي المستقل، وهو ما نصارع من أجله في فكرنا المعاصر، من أجل استقلال فكرنا العلمي عن فكرنا الإلهي، ويتركز مبحث الوجود على رفض الفيض بعد أن أصبحت نظرية الفيض خطرا على علم الكلام آتيا من علوم الحكمة، ونظرا لهذا الغزو الداخلي، فإن علم الكلام أصبح هو الجانب الإيجابي في مقابل رفض الفلاسفة الحكماء الذي يمثل الجانب الهدمي، فبعد تأسيس علم الكلام على عشرين قاعدة يمكن هدم فلسفة الحكماء الإلهيين أيضا على عشرين قاعدة، وتبلغ الإلهيات من حيث الكم قدر السمعيات باثنتي عشرة مرة؛ أي أن الإلهيات هي كل العلم تقريبا، وأن السمعيات لا تمثل إلا جزءا من اثني عشر جزءا من العلم، على خلاف فكرنا المعاصر الذي تسوده السمعيات والإلهيات على قدر سواء، وفي الإلهيات تختلط مسائل التوحيد والعدل، فيظهر العدل أولا مركزا على حدوث الكائنات، ويختفي ضمن إثبات الحدوث بإحداث الله، ثم ينتهي التوحيد أيضا ببعض مسائل العدل مثل العقل والنقل، يبدأ التوحيد إذن بمسألة خلق الأفعال وإنكارها وينتهي بموضوع العقل والنقل، وإعطاء الأولوية للنقل على العقل، ويشمل التوحيد أربع عشرة قاعدة تتخللها بعض مباحث الوجود مثل الأحوال والمعدوم والشيء والهيولى والصورة مما يدل على تآكل التوحيد لصالح الوجود كما حدث في علم الكلام المتأخر، فقد ابتلع التوحيد نصف العدل في أول التوحيد، وهو خلق الأفعال، ومع ذلك يشمل التوحيد أكثر من نصف العلم، وأصبح يوازي العدل أكثر من ست مرات مما يدل على تواري العدل في علم الكلام المتأخر، واختفائه كلية في وجداننا المعاصر، أما السمعيات فلا تظهر إلا في القاعدة الأخيرة، القاعدة العشرين، في موضوعات النبوة، والأسماء والأحكام، والمعاد، والإمامة، ولكنها لا تشمل إلا جزءا ضئيلا من العلم دون تفصيل لمسائلها.
11
ثم تتناقص القواعد والأصول من عشرين قاعدة إلى خمسة عشر، وهو العدد الكامل في الشريعة، خمس عشرة سنة أو يوما أو آذانا أو درهما أو دينارا أو إبلا أو بقرا أو بعيرا! ولو أخذنا الأعداد من الشريعة لأعطتنا كل الأعداد، خمس صلوات، ستين مسكينا، ستين يوما صياما كفارة، سبعة أيام، سبع ليال، سبع سموات، الشفع والوتر، الواحد، والاثنين، والثلاثة، والأربعة، والعشرة، والسبعين ... إلخ، مما يدل على أن العدد خمسة عشر ليس من داخل العلم بل من خارجه، مستعارا من الفقه. تظهر نظريتا العلم والوجود في الأصلين الأول والثاني ، ويمثلان معا خمس العلم أو سدسه تقريبا، ويكون الوجود أكبر قليلا من العلم مما يشير إلى تقدم المقدمات النظرية واحتوائها للعلم ذاته تدريجيا، أما الإلهيات فإنها تبلغ نصف السمعيات، وتبلغ السمعيات ضعفها، وهو ما يتضح أيضا في وجداننا المعاصر. وتشمل الإلهيات أربعة أصول: (الثالث، والرابع، والخامس، والسادس)، وتتركز على نظرية الذات والصفات والأفعال بالإضافة إلى الأسماء، وهو ما سيتضح أيضا فيما بعد في بناء العلم الشامل، ويظهر العدل متميزا عن التوحيد، وهو ما افتقدناه فيما بعد، ولكن يفوق التوحيد العدل بأكثر من ثلاثة أضعاف، وهو ما استمر في فكرنا المعاصر حتى اختفاء العدل في بطن التوحيد في العقائد المتأخرة وفي وجداننا المعاصر. أما السمعيات فإنها تشمل الأصلين السابع والثامن عن النبوات والكرامات والمعجزات زيادة في تفصيل النبوات، وإضافة أصلين جديدين (التاسع والعاشر) عن الإسلام ومعرفة أحكام التكليف باعتباره آخر مرحلة من مراحل النبوة واعتمادها على العقل في فهم الأحكام، وهو ما بدأ يتضح في الحركات الإصلاحية بحديثها عن الإسلام كشريعة وتاريخ بدلا من الحديث عن النبوة كعقيدة ودين، ويشمل المعاد (الحادي عشر) والأسماء والأحكام (الثاني عشر) والإمامة في الأصول الثلاثة الأخيرة وما يتبع الإمامة من أحكام العلماء والأئمة وتاريخ الفرق.
12
وقد يدور العلم كله حول أساس واحد يكون هو بناء العلم، ويكون هو التوحيد بلا مقدمات نظرية من علم أو وجود، وبلا عدل كمحور ثان للإلهيات وبلا سمعيات كمحور ثان للعلم، وذلك من أجل نفي التجسيم والتشبيه والحيز والمكان، وإثبات التنزيه على الطريقة الأشعرية، ويدور العلم حول أربعة أقسام: الأول في إثبات التنزيه، والثاني في تأويل المتشابهات، والثالث والرابع في تقرير مذاهب السلف، وكأن العلم إذن أراد أن يختار له موضوعا واحدا هو الله دون العدل، وهو فعل الإحسان ودون السمعيات التي تشير إلى ماضي الإنسان في النبوة ومستقبله في المعاد، ومحله في الأسماء والأحكام، ومجتمعه في الإمامة. هذا التركيز على الله هو مأساتنا حتى الآن، وقد انغرس في وجداننا المعاصر باعتباره هو الموضوع الأول والأخير في الفكر والسلوك.
13
وفي مقابل علم الكلام على الطريقة الأشعرية ومحاولاته لإحصاء الموضوعات من أجل تحديد بناء العلم، كانت هناك محاولات لعلم الكلام على الطريقة الاعتزالية ابتداء من الرسائل في العدل والتوحيد عن القدر ضد المجبرة إلى ظهور معظم موضوعات العدل والتوحيد
14
Неизвестная страница