От вероисповедания к революции (1): Теоретические предпосылки
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Жанры
علم «أصول الدين» إذن هو العلم الذي يقرأ في العقيدة واقع المسلمين من احتلال وتخلف وقهر وفقر وتغريب وتجزئة ولامبالاة، كما يرى فيها مقومات التحرر وعناصر التقدم وشروط النهضة لو تم إعادة بنائه طبقا لحاجات العصر بعد أن بناه القدماء تلبية لحاجات عصرهم، فقد احتلت الأراضي وفي مقدمتها فلسطين، ونهبت الثروات من الاستعمار الخارجي أو الإقطاع الداخلي حتى أصبح يضرب بنا المثل في أعلى درجات الغنى وأحط مستويات الفقر، غنى الأقلية المترفة، وفقر الأغلبية المطحونة، وقضي على الحريات باسم الأهداف القومية والأخطار الخارجية، وانتشرت المحافظة من ثنايا الثورة المعاصرة وبراثن الحركة التقدمية، وزاد التغريب، وضاعت الهوية أو كادت وهي ترزح تحت أكوام المترجمات التي تمنع العقل من الفكر والإبداع، وتجزأت الأمة وتشتتت، وتقطعت أوصالها وأطرافها بعد أن كانت أمة واحدة قلبا وأطرافا، محورا ومحيطا، مركزا ودوائر. فإذا كان علم أصول الدين يقوم تلبية لحاجات العصر، وكانت هذه متغيرة من عصر إلى عصر، فإننا إذا عددنا حاجات المسلمين اليوم التي يمكن أن تكون مادة لعلم أصول الدين وباعثه الأول على إعادة بناء العقيدة وجدناها: (أ)
الحاجة إلى وضع أيديولوجية واضحة المعالم وسط هذا الخضم الكبير من أيديولوجيات العصر المنتشرة فوق الواقع، سواء كانت مستعارة أو محلية، متخلفة أو توفيقية، بين هذا وذاك. وعلى هذا النحو يمكن حل موضوع «الأصالة والمعاصرة» الذي ما زلنا نتجادل حوله ونبحث فيه منذ فجر النهضة الحديثة حتى الآن، وربما إلى عدة أجيال قادمة أخرى إن لم يقدر لمشروع «التراث والتجديد» أن يعيش ويستمر ويؤثر، وينقل الحضارة من طور إلى طور، من طور الشروح والملخصات إلى طور النهضة الثانية، من القرون السبعة الأخيرة (من السابع حتى الرابع عشر) إلى قرون سبعة قادمة (نهضتنا الأولى من القرن الأول حتى السابع)، حينئذ يربط الناس بين ماضيهم وحاضرهم، ويقومون بحركات التغير الاجتماعي من خلال التواصل لا الانقطاع، وتنتهي الازدواجية من حياتنا، ويتوارى فصام الشخصية الوطنية بين الحركة الدينية المحافظة والحركة التقدمية العلمانية، ويكون «علم أصول الدين» قد حقق الهدف المرجو منه، وهو إقامة علم نظري من أجل توجيه الواقع، سدا للفراغ النظري والركود العملي في حياتنا المعاصرة، فيعاد فهم العقيدة، ويعاد تصورها وتأصيلها في وجدان العصر، وخلق ثقافة وطنية مرتبطة بجذورها في القديم، وقائمة على تحليلات الواقع المعاصر؛ ومن ثم نشأت الحاجة إلى معرفة إحصائية دقيقة لواقعنا المعاصر حتى يمكن فهم العقائد وتفسيرها على أساسها كما يفعل الأصولي القديم في البحث عن العلل الفاعلة والمؤثرة في سلوك الناس، كما أننا في حاجة إلى تحليل نفسي اجتماعي للجماهير حتى يمكن معرفة موجهات سلوكها وبواعثها، وإعادة تفسير العقائد حتى تكون موجهات مثالية للسلوك، ويستدعي ذلك تطوير حركات الإصلاح الديني الحديث التي لم تؤت أكلها بعد، ولم تستفد أغراضها كلها، بل وإقالتها من عثراتها وردتها وتراجعها من مؤسسها الأول حتى ممثلها الأخير.
9
وعلى هذا يمكن الانتقال من الإصلاح إلى النهضة حتى يمكن الانتقال بعد ذلك من النهضة إلى الثورة، كما يستدعي إرساء قواعد النظرة العلمية كما كان الحال عند القدماء خاصة في علم أصول الفقه، وهي النظرة التي تسلم بكل معطيات الواقع المادية والمعنوية، كل ذلك يؤدي بنا في نهاية الأمر إلى صياغة جديدة لعلم أصول الدين وفروعه مثل «لاهوت الثورة»، «لاهوت التحرر»، «لاهوت التنمية»، «لاهوت التغير الاجتماعي»، «لاهوت المقاومة»، «لاهوت التقدم»، «لاهوت العدالة الاجتماعية»، «لاهوت الوحدة»، «لاهوت الجماهير»، «لاهوت التاريخ » ... إلخ، وتلك هي «رسالة التوحيد». (ب)
ليست مهمة علم أصول الدين الجديد نظرية فحسب، بل هي أيضا مهمة عملية من أجل تحقيق الأيديولوجية بالفعل كحركة في التاريخ بعد تجنيد الجماهير من خلال ثورة عقائدها؛ ومن ثم كان من مهامه القضاء على احتلال أراضي المسلمين المباشر منها مثل فلسطين وغير المباشر منها في صورة قواعد أجنبية أو تسهيلات دفاعية برية أو بحرية لقوى أجنبية شرقية أو غربية أو الأحلاف العسكرية أو المناورات المشتركة أو تبادل المعلومات العسكرية والخبرات الفنية، تعددت الأسماء والمسميات واحدة، ومن مهامه أيضا القضاء على نهب ثروات المسلمين من الخارج ونهب الإقطاع لها من الداخل، وإعادة توظيفها لخدمة جماهير المسلمين، والقضاء على استغلال هذه الثروات من الخارج أو الداخل من أجل قيام اقتصاد وطني مستقل للأمة، وكذلك أيضا تنمية موارد المسلمين الطبيعية وعدم تركها نهبا من الخارج أو دون السيطرة عليها وتركها للكوارث والفيضانات، وغريب حقا عندما يذكر الثروة والغنى فيذكر المسلمون؛ الأغنياء الجدد منهم، وعندما يذكر الفقر والجوع يذكر أيضا المسلمون؛ عامة المسلمين، وكأنها ليست أمة واحدة بل أمتان، المال فيها دولة بين الأغنياء، والفقر فيها شائع وعام بين الفقراء، ومن مهامه أيضا القضاء على كل صنوف القهر والتسلط، يضرب بالأمة المثل في وفرة عدد المسجونين السياسيين، واضطهاد المعارضة، وهربها من أوطانها إلى الخارج، والتصفية الجسدية للخصوم، وصياغة القوانين الاستثنائية والدساتير من أجل التقنين لحكم الفرد المطلق، وإجراء الاستفتاءات الشعبية لانتزاع الناس حرياتها وهي منزوعة سلفا، كما يهدف إلى توحيد الأمة، ولم شتاتها، وجمع أجزائها المبعثرة، وتجاوز الحدود المصطنعة التي وضعها الاستعمار بين أجزاء الأمة، وأثار الأحقاد والضغائن بين طوائفها وجعلها أحزابا وشيعا
كل حزب بما لديهم فرحون . ويكون همه الرئيسي القضاء على كل مظاهر التخلف في الأبنية التحتية والفوقية، في الهياكل الاجتماعية والتصورات الذهنية حتى يمكن نقل المجتمع كله من مرحلة تاريخية إلى مرحلة أخرى، ويتحول من الخلود إلى الزمان، من الفيض والصدور من الأعلى إلى الأدنى إلى التقدم في التاريخ، من الأمام إلى الخلف، كما يقضي على التغريب محافظة على الهوية، ويحجم الآخر إبرازا لدور الأنا، ورد الحضارات الغازية إلى حدودها الطبيعية لإفساح المجال لإبداع الحضارات المحلية،
10
وأخيرا تكون المهمة تجنيد الجماهير، فتكون العقيدة المتحركة، والتوحيد الحي، فالتوحيد والجماهير واجهتان لشيء واحد، والعقيدة والحزب يمثلان النظر والعمل، يجمعان بين الإيمان والتصديق، ولا يبدو في ذلك أي تجاوز لعلم أصول الدين وإلحاقه بعلم الفقه؛ وذلك لأن الفصل بين العلمين غير واقع، وإن كنا قد ورثناه من التراث، ومهمتنا إعادة بناء التراث من أجل إقامة «لاهوت الفقه» و«عقيدة الثورة»؛ أي تأسيس علم أصول الدين الذي يقوم على الاجتهاد، والذي يجمع بين النظر والعمل، بين الأصول والفروع؛ وهو «الإسلام السياسي» الذي طالما مارسه المصلحون وحاول صياغته النظار والباحثون.
11 (ج)
ليست مهمة علم أصول الدين عملية نظرية فحسب، بل عملية فعلية في الواقع؛ أي الدفاع الفعلي وتحقيق التوحيد في العالم الإسلامي، قلبه وأطرافه بصرف النظر عن الأسماء المحدثة له: العالم الأفريقي الآسيوي، العالم الثالث، مؤتمر القارات الثلاث، دول عدم الانحياز، الشعوب المتحررة حديثا ... إلخ، فمنذ فشل الحروب الصليبية قديما في الغارة على العالم الإسلامي، قلبا وبرا، بدأت المحاولة الثانية بالالتفاف حوله، أطرافا وبحرا، فيموت القلب نزيفا وتتآكل الأطراف جمودا، وتتساقط الواحد تلو الآخر. ينتشر سرطان الغزو الصهيوني الاستيطاني في القلب ابتداء من فلسطين وتتآكل الأطراف تحت ضربات الاستعمار في جنوب شرقي آسيا، ووسط أفريقيا وجنوبها، والحزب الإسلامي الجماهيري قادر على تجنيد المسلمين وطاقاتهم بدلا من التحزب والتشعب والتشتت في الأيديولوجيات العلمانية أو السلبية واللامبالاة وإيثار موقف المتفرج الذي لا يعنيه من الأمر شيء؛ وبالتالي تتأكد وحدة العالم الإسلامي الحالي، الفكرية والعملية، العقائدية والتشريعية، سواء كان ناطقا بالعربية أم بغير العربية، تركية أو فارسية أو أردية أو ماليزية، فالروابط الثقافية، والتاريخ الحضاري، والعقيدة المشتركة، والمخاطر الواحدة؛ أقوى من الحدود القومية. يمكن تكوين جبهة واحدة من دول آسيا وأفريقيا ضد المخاطر التي تهددها والآتية من الاستعمار الغربي القديم والجديد، ومواصلة النضال المشترك من خلال «ثورة العقيدة» أو «عقيدة الثورة»، واستئناف التعريب، والانتشار الحضاري، والتعمير البشري والعمراني، هذه الجبهة تكون نواة لتوحيد المسلمين في نظام واحد، اتحادي أو فيدرالي أو كونفيدرالي أو وحدوي، وهو ما تصبو إليه الأمة وما يعج في صدرها، تأخذ «الخلافة» إذن مدلولها الحديث، يكون هو اتحاد آسيا وأفريقيا والمتعاطفين معه من دول العالم الثالث أو دول عدم الانحياز أو دول القارات الثلاث، ثم تنفتح على الشرق كما كان الحال قديما؛ حيث انتشرت الحضارة شرقا بينما عاداها الغرب حتى الآن، وكما دعي إلى ذلك في حركاتنا الإصلاحية الحديثة من إنشاء «للجامعة الشرقية» بعد أن ربطنا الاستعمار بمنطقته الحضارية، جغرافيا وثقافة، وجعلنا امتدادا بحريا له، ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا وبشريا، وإمكانيات العالم الإسلامي الحالية النظرية والعملية ضخمة تساعد على تحقيق هذا المطلب، يزيد عليها ربط المؤسسات الإسلامية والمعاهد العلمية، ومراكز الأبحاث والجامعات الوطنية والتنسيق بين الأحزاب السياسية وتبادل الصحف اليومية والدوريات حتى يمكن توحيد العمل، وتحقيق ما يمكن تحقيقه من خطة شاملة يتم إنجازها خطوة خطوة، فالعمل الجماعي هو الوسيلة لخلق إمكانيات جديدة للأفراد؛ وبالتالي تحل مشاكل التربية الإسلامية، وإعادة خلق المسلم الكامل كفرد ثم إعادة بناء الجماعة الإسلامية كأمة من أجل تحقيق الوحدة الإسلامية، وخلافة الأمة في الأرض؛ وهو ما ركزت عليه أيضا الدعوات الإصلاحية الحديثة، فإذا تم ذلك يمكن للعالم أن يجد قيادة جديدة فكريا وعمليا، وريادة إنسانية شابة بعد أن تخلت القيادات القديمة، وعلى رأسها القيادة الغربية، عن مثلها، وتوارت إلى الخط الخلفي، وإن كانت ما زالت تصارع من أجل البقاء، ومن أجل البعث بدماء جديدة، وتغيير جذري في النظر والسلوك.
Неизвестная страница